د. سوزان زين ـ لبنان ||
في نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي، قامت مرجعيات دينية في أهم حوزتين شيعيتين تمثلان معاً قلب التشيع النابض وعين مدرسته الفقهية وامتداد خط الامامة فيه، حوزة النجف الاشرف وحوزة قم المقدسة بإطلاق حركة سياسية ذات منطلقات شرعية عقائدية ، منطلقاتها القرآن الكريم وسنة نبيه عليه وآله الصلاة والسلام ، منطلقاتها قال الباقر وقال الصادق (عليهما السلام)، تستهدف إقامة حكماً اسلامياً.
تصدر هذه الحركة وتلك النهضة الإمام الخميني (قدس سره) في قم المقدسة والشهيد الصدر في النجف الاشرف (رضوان الله تعالى عليه) ، وهماً معاً ومن سار في ركبهما من المراجع والعلماء أسسوا لهذه النهضة وأصلّوها فقهياً وعقائدياً ، ومن هذا المعين الصافي لفقه الإسلام المحمدي الاصيل ولدت نظرية ولاية الفقيه والحكومة الاسلامية .
وقدمت هذه النهضة شلالاً كاسحاً من الدماء والتضحيات والقرابين التي يصعب حصرها كماً ونوعاً .
و واجهت هذه النهضة تحديات عملاقة أعادت من خلال مواجهتها والتغلب عليها رسم مسار حركة التاريخ في مشهد يحتاج لمجلدات لوصف تفاصيل عظمته وقداسته، و واصلت النهضة مسيرة الدموع والدماء والقرابين الى أن أصبحت اليوم { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ} .
الجمهورية الاسلامية الإيرانية هي عقيدة و شرع ، قبل ان تكون مجرد وجهات نظر سياسية متباينة ، نعم باب تباين وجهات النظر السياسية مفتوح على مصراعيه بل يمثل ظاهرة صحية طبيعية مطلوبة، لكن ليس الى الدرجة التي يتم تناسي ذلك الاصل العقائدي والشرعي فيها ، لأنه شئنا أم أبينا هو المعيار حين الاختلاف .
هذا اذا كنا لا زلنا نؤمن بالاصل الذي قامت عليه هذه الدولة ، اما اذا تبدلت المعايير فذلك أمرٌ آخر .
ما سبق هو ليس مصادرة لحق الاختلاف ولكنه تثبيت لمعيار يجب أن لا يضيع وسط غبار المراء السياسي الكثيف .
الولي الفقيه هو قطب الرحى في ذلك البناء الشرعي العقائدي الذي اسمه الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وهذا الولي الفقيه له بعدان ، بُعد يخص موقعه الشرعي وبُعد يخص ملكاته الشخصية ، و دون الاسهاب في الشرح وذكر الشواهد فإن الإمام السيد الخامنئي (دام ظله) ملأ هذان البعدان بكفاءة منقطعة النظير ، والأحداث المتعاقبة خير شاهد وبرهان .
اليوم ونحن نتابع ونحلل الأحداث يجب أن لا نغوص في التفاصيل لدرجة تحجبنا تلك التفاصيل عن ذلك البعد الشرعي العقائدي الذي قامت عليه هذه الدولة (( الحلم )) على حد تعبير الشهيد الصدر (رضوان الله تعالى عليه) .
وهنا اتوقف مع كتيب قرأته منذ سنوات بعيدة كتبه آية الله الشيخ محمد مهدي الاصفي (رحمة الله عليه) ، كتيب هو في الواقع خطاب وجهه الشيخ عليه الرحمة والرضوان لبقايا حزب الدعوه الاسلامي وكوادره – وكان ذلك أثناء حكم البعث- كان ملخص الكتاب وزبدته أنه :
يجب عليكم الإقتداء بالحركة الاسلامية في لبنان والإعلان كحزب الله تحديداً انضوائكم تحت قيادة الولي الفقيه بشكل صريح لا مواربة فيه والامتثال له علناً ، وأن هذا هو سبيل النصر لاغير .
صحيح ان ما سبق يعرفه الجميع ، ولكن واضح أن ذلك الأصل أحياناً يختفي أو “يتغبش” وسط كثافة الغوص في التفاصيل، بحيث لا يصبح هو المعيار ، أو يصبح المعيار الكثير من الاشياء الا هو ! أو تتقدم مقاييس أخرى أقل منه أهمية شرعية عليه !
ماذا بعد كل ما سبق ؟
ما الذي نريد الوصول له ؟
نريد الوصول لمسألتين :
الاولى : أن مسيرة هذه النهضة في جذورها التاريخية وفي مستقبلها المرتجى ، وفي منطلقاتها الشرعية وفي حجمها العقائدي والتاريخي اكبر من كل الاسماء العابرة مع كامل الاحترام والتقدير لعطاءاتها وكفاءتها – و التي هي ليست محل اجماع بالضرورة – .
إذ مهما بلغت مواهب بعض الشخصيات فقد سبقتها شخصيات اعظم منها بمراحل قدمتهم هذه النهضة قرابين على درب النصر والعزة.
الثاني : من زاوية شرعية ثم من منطلق التجربة ((يحق لنا)) ان نتخذ من {تباين} بعض الاشخاص مع ارشادات ومواقف الولي الفقيه معياراً نقيم به الاشخاص مضافاً لكون ارشادات الولي الفقيه شاخصاً يُلتزم به ويُستشرف به الحاضر والمستقبل بطبيعة الحال .
اقول (التباين) فما بالك (بالتضاد) ؟!