سمير السعد
شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في التوترات بالشرق الأوسط، مع استمرار العدوان الصهيوني على غزة وجنوب لبنان وازدياد التهديدات الموجهة لدول دعمت الوضع الإنساني في هذه المناطق. لم يكن لهذا التصعيد العسكري تداعيات سياسية وأمنية فحسب، بل انعكست تأثيراته أيضًا على الاقتصادين العربي والأوروبي بشكل واسع.
تعاني العديد من الدول العربية، وخاصة تلك القريبة من ساحة الصراع، من تداعيات اقتصادية مباشرة. التصعيد العسكري يُضعف الاستقرار الداخلي ويؤثر على حركة التجارة والاستثمارات، مما يزيد من الضغوط على الأسواق المالية المحلية. في لبنان، يتفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بسبب تدفق اللاجئين وزيادة الإنفاق العسكري، بينما تواجه غزة أزمة اقتصادية حادة نتيجة الحصار المستمر وتدمير البنية التحتية.
أما الدول الخليجية التي تعتمد على استقرار المنطقة لتأمين استثماراتها الخارجية، فقد تأثرت هي الأخرى جراء ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل الإمداد. هذا التصعيد دفع الحكومات إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية والتركيز على تأمين إمدادات الطاقة والحفاظ على استقرار الأسواق.
على الجانب الآخر، لم تكن الدول الأوروبية بمنأى عن هذه التداعيات. التهديدات الصهيونية للدول الأوروبية الداعمة للوضع الإنساني في غزة وجنوب لبنان
في ظل تعقد المشهد الجيوسياسي، يبقى السؤال الأهم هو مدى قدرة الأطراف الفاعلة على احتواء الأزمة قبل أن تترك آثارًا أكثر تدميرًا على الصعيدين الاقتصادي والإنساني. "التدخلات الدولية" باتت ضرورة ملحة، حيث تتزايد الدعوات لوقف العدوان العسكري وإيجاد حلول سياسية ودبلوماسية تعيد الاستقرار للمنطقة. لكن، الواقع يظهر أن العديد من الدول العربية والأوروبية عالقة بين مطرقة الحفاظ على مصالحها الاقتصادية وسندان التضامن الإنساني.
من أبرز المجالات التي قد تتأثر بشكل كبير هي "أزمة الطاقة "!مع استمرار الصراع، يزداد القلق في أوروبا بشأن استقرار إمدادات الغاز الطبيعي والنفط من الشرق الأوسط. الدول الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على هذه الموارد قد تجد نفسها مضطرة للبحث عن بدائل، سواء من روسيا أو أفريقيا، وهو ما قد يرفع التكاليف ويزيد من الضغوط على اقتصاداتها المتعثرة بالفعل بسبب التضخم وتداعيات ومعاناة جائحة كورونا التي مازالت آثارها موجودة . وفي هذا السياق، يُتوقع أن تكون "أسعار الطاقة" محركًا رئيسيًا في المعادلة الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة.
التأثيرات لا تتوقف عند أسواق الطاقة فحسب، بل تمتد إلى "سلاسل الإمداد " العالمية. الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، تلعب دورًا مهمًا كمركز لوجستي للتجارة الدولية. ومع تصاعد التهديدات الأمنية وفرض قيود على حركة البضائع والنقل، قد تتعطل سلاسل التوريد، مما يؤدي إلى نقص في المنتجات وارتفاع في الأسعار على المستوى العالمي. هذا الوضع يعزز المخاوف من "ركود اقتصادي عالمي، " خاصة في ظل عدم اليقين الذي يخيّم على الأسواق.
مع استمرار العدوان على غزة وجنوب لبنان، يبقى المجتمع الدولي أمام مفترق طرق. الدول العربية قد تضطر إلى اتخاذ خطوات أكثر حدة لحماية مصالحها واستقرارها الداخلي، سواء عبر تحالفات جديدة أو تعزيز قدراتها الدفاعية، فيما قد تتجه الدول الأوروبية نحو" إعادة تقييم علاقاتها مع الكيان الصهيوني "ودول المنطقة.
"خلاصة القول " إذا استمر هذا التصعيد دون حلول ملموسة، فإننا قد نشهد تحولًا جذريًا في "الخريطة الاقتصادية والسياسية" للشرق الأوسط وأوروبا، وهو ما سيترك تداعيات بعيدة المدى على العالم بأسره.