علي الحاج
في الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد المجاهد وسام العلياوي واخيه عصام، تقف الكلمات عاجزة ومحدودة، امام عظم الحادث، ومهما حاولت أن اترجم الم الفقد او حجم التضحية،هناك لحظات في الحياة تتجاوز قدرة اللغة على التعبير، ويبقى الحزن والذكرى هما اللغة الوحيدة التي تفهمها القلوب، استشهاد وسام واخوته هو من تلك الاحداث التي يصعب أن تفيها الكلمات حقها، لانها ليست مجرد قصة ماساة، بل هي قصة شجاعة وصمود والم وجرح لا يندمل.
تعود الذاكرة لتلامس جروحا لم تلتئم بعد، وتستحضر ملامح الحزن العميق الذي طال اسرة قدمت أبناءها قربانا للوطن واصدقاء يعيشون ماساتها الى اليوم، تلك الاسرة التي عاشت الالم مرات ثلاث، وتجرعت مرارة الفقد في كل مرة، لم تكن قصتها مجرد حادثة عابرة، بل حكاية نضال وتضحية لا يمكن ان تنسى.
وسام.. الذي كان مهندسا يتعامل مع الارقام والخطط، تحول إلى مجاهد في سبيل الوطن، لم يكن ذلك تحولا مفاجئا في حياته، بل كان استجابة طبيعية لرجل يرى في الدفاع عن وطنه واجبا مقدسا، لم يترك معركة لتحرير الأرض إلا وكان في مقدمتها، بطلا من ابطال الحشد الشجعان، مقاتلا من اجل ان يبقى العراق عزيزا حرا من العصابات التكفيرية والإرهابية التي كانت تهدد وجودنا جميعا، كلما ذكرت معارك التحرير، ذكر اسم وسام، كاحد اولئك الرجال الاشاوس الذين رفضوا ان يستسلموا للخوف او ان يتراجعوا عن نداء الواجب.
لكن الغدر لا يعرف ميدانا ولا شرفا، وفي يوم من ايام الحزن السوداء، حين هاجمت جموع الغدر مقر المجاهد وسام العلياوي، لم يكن في حسبانهم الا ان يطفئوا نورا ساطعا من نور المقاومة، اصيب وسام في المواجهة، وتم نقله إلى مستشفى العمارة، محمولا على امل الشفاء، وبرفقة اخيه عصام، الذي لم يفارقه حتى في أشد الحظات، كانت سيارة الإسعاف التي حملتهما يفترض ان تكون رمزا للامان والرحمة، ولكن، في لحظة مفجعة، انقلبت إلى مسرح للغدر والخيانة في ابشع صورها.
اجتاحت جموع الجهل تلك اللحظات كاعصار من الكراهية، مهاجمين جسدا متهالكا، لا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه، وسام، الذي لطالما وقف في ميدان المعارك بشموخ، كان جريحا، عاجزا عن ردع الايدي السوداء التي امتدت إليه في داخل سيارة الإسعاف، غدر به وباخيه، في مشهد لا يمكن الا ان يوصف بانه تجسيد صارخ للخسة والنذالة والانحطاط.
كانت تلك اللحظة صرخة مؤلمة في وجه كل ما هو انساني، كيف يقتل رجل نذر حياته في سبيل وطنه، وكيف تستباح حياته وهو جريح.
لم تكن الجريمة مكتملة في تلك اللحظة، لم تكتفِ الايادي السوداء بقتل وسام وعصام، بل لحقوا بهم بعد سنتين، واستهدفوا الاخ الثالث، وهو برتبة رائد في الشرطة العراقية، هكذا، كانت عائلة العلياوي تعيش مأساة مركبة، تفقد فيها اعز أبنائها، الواحد تلو الاخر، دون أن ترى العدالة تأخذ مجراها، وما زال أغلب المجرمين الذين نفذوا هذه الجرائم البشعة طلقاء، يسيرون في طرقات المدن، بينما تبكي الام العظيمة الصابرة المحتسبة ابناءها في صمت مرير.
الزوجات اللواتي ودعن ازواجهن إلى غير رجعة، والاطفال الذين كبروا على صورة الاب الشهيد، والام التي لم يجف دمعها بعد، كلهم يشهدون على ما تركته هذه الجرائم من أثر عميق في نفوسهم، لا يمكن لاي كلمات أن تعبر عن حجم الفقد الذي تعيشه هذه العائلة، ولا عن الوجع الذي يعاود الظهور مع كل ذكرى.
في هذا اليوم الحزين، لا نكتفي بتذكر وسام وإخوته، بل نتذكر كل الذين قدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن، شهداء كالعلياوي لا يموتون، بل يحيون في ذاكرة الوطن، ويظلون نبراسا يضيء درب الحرية والكرامة.
تظل قضيتهم شاهدا على ان الجريمة، رغم بشاعتها لن يستطيع كسر ارادة المؤمنين ولا إطفاء نيران الحق والمقاومة، لقد انكشف زيف الاجرام وباتت رموزه منبوذة، وستظل ذكريات هؤلاء الشهداء ابدا تعزز فينا قيم الصمود والتحدي، ليبقى النصر الحقيقي للانسانية على التطرف والكراهية.