جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف ازدواجية القيم في مجتمع متناقض..!

ازدواجية القيم في مجتمع متناقض..!

حجم الخط

 


سمير السعد ||


خائن يحدثك عن الوفاء، ولص يشرح لك معاني الشرف، وظالم يهددك بالدعاء

في عالم يزداد فيه الازدواجية والانفصام بين القيم المعلنة والتصرفات الفعلية،

أصبحت بعض المفارقات اليومية مدعاة للسخرية والتأمل معًا. ماذا يعني أن يحدثك الخائن عن الوفاء؟ وكيف يمكن أن ينصب اللص نفسه قاضيًا للأخلاق؟ بل كيف يهدد الظالم بالدعاء وكأن يديه مرفوعة للسماء تعكس طهرًا لا يملكه؟

لا شك أن المجتمعات تُبنى على قيم سامية مثل الصدق، والأمانة، والعدل. ولكن، عندما يُصبح حامل الرسالة متناقضًا مع محتواها، يفقد الكلام تأثيره، وتتحول الكلمات إلى شعارات جوفاء. يبدو الأمر أشبه بمسرحية هزلية، حيث يتقمص الخائن دور الناصح، واللص دور الحامي، والظالم دور المتعبد.

هذا السلوك المزدوج لا ينبع فقط من ضعف الأخلاق، بل قد يكون محاولة لتبرير الذات أمام الآخرين. فالخائن الذي يتحدث عن الوفاء يحاول إسقاط لوم خيانته على الآخرين. واللص الذي يتحدث عن الشرف قد يسعى لإخفاء عار أفعاله خلف قناع من الوعظ. أما الظالم الذي يهدد بالدعاء، فهو ينكر ظلمه محاولاً أن يبدو ضحية.

المفارقة هنا تكمن في تقبل بعض المجتمعات لهذه الشخصيات دون مساءلة، وهو ما يدعو للتساؤل ، هل أصبحت الكلمات وحدها كافية لإقناعنا دون أفعال تدعمها؟ ومتى نتوقف عن منح الثقة لمن لا يستحقها؟

المجتمعات التي ترغب في النهوض تحتاج إلى أشخاص صادقين، يعيشون القيم التي يدعون إليها. الوفاء ليس شعارًا للخائن، والشرف ليس حكرًا على اللصوص، والدعاء ليس سلاحًا للظالمين. آن الأوان أن نتعلم التمييز بين الكلمات والأفعال، بين من يُلهمنا ومن يضللنا.

“كن أنت المقياس للحق والعدل، ولا تدع الكلام وحده يخدعك.”

لتجاوز هذه الظواهر السلبية، يجب أن نبدأ بإعادة بناء منظومة القيم على أسس متينة. القيم ليست مجرد كلمات نتغنى بها، بل هي ممارسات يومية تُثبتها الأفعال. التربية والتعليم هما حجر الأساس في هذا البناء، إذ يجب أن نعلّم الأجيال القادمة أن القيمة الحقيقية تكمن في الاتساق بين القول والفعل، وأن القوة تكمن في الصدق والنزاهة، لا في الادعاء والتظاهر.

الفرد هو النواة الأولى لأي تغيير مجتمعي. عندما يُدرك الإنسان مسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه، يصبح واعيًا لتناقضاته ويحاول إصلاحها. لذا، على كل فرد أن يسأل نفسه ، هل أعيش ما أقول؟ وهل أستحق أن أكون قدوة؟ هذا الوعي الذاتي هو الخطوة الأولى لتقليص الفجوة بين القيم المعلنة والتصرفات الفعلية.

لا يمكن أن نتجاهل الدور الذي يلعبه الإعلام في تعزيز هذه الازدواجية أحيانًا أو مقاومتها. عندما يسلط الإعلام الضوء على النماذج الإيجابية التي تعيش القيم بصدق، يساهم في تعزيزها. أما إذا استمر في تمجيد الشخصيات المزدوجة، فإنه يعزز الثقافة الزائفة ويكرّس التناقضات.

العالم بحاجة إلى أفعال أكثر من أقوال.

الوفاء الحقيقي هو أن تكون صادقًا مع من حولك، والشرف يكمن في احترام حقوق الآخرين، والدعاء لا يُرفع من قلب ظالم. فلنعمل على تصحيح أنفسنا أولاً، ولنكن صادقين في أفعالنا قبل كلماتنا.

“ليس المهم أن تقول ما تعتقد أنه صحيح، بل أن تفعل ما يُثبت أنك تستحق الثقة.”

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال