جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف "الإعلام بين الرصانة والاستعراض"

"الإعلام بين الرصانة والاستعراض"

حجم الخط

 

سمير السعد 


في مشهد إعلامي باتت سمته الرئيسية الضوضاء والثرثرة، يبدو أن الفضائيات لم تعد تولي أهمية كافية لقيم الرصانة والمهنية. تحولت الحوارات التلفزيونية إلى ما يشبه “فرفشة لايفات”، حيث يغيب النقاش الفكري العميق لصالح الاستعراض والتسلية السطحية.

من المؤسف أن نرى أغلب مقدمي البرامج الحوارية وقد تخلوا عن وقار الإعلاميين الحقيقيين، مرتدين أقنعة أشبه بمهرجي السيرك. صار هدفهم الأساسي استدعاء شخصيات مثيرة للجدل، قد تكون “مدفوعة الثمن مقدماً”، لا لتحليل الأحداث بموضوعية، بل لخلق مشاهد كوميدية رخيصة تُلهي الجمهور وتستدرجه إلى عوالم الضحك الفارغ.

هذا التحول الخطير جعل الإعلام أقرب إلى حلبة استعراض، حيث تُذبح الرصانة على مذبح الترفيه السطحي. ومع ذلك، لا يمكننا أن نغفل عن وجود إعلاميين شرفاء ووطنيين حقيقيين ما زالوا يؤمنون بدور الكلمة كأداة بناء لا هدم، وسلاح يُستخدم برؤية وحذر.

في ظل هذا الواقع، تبقى المسؤولية جماعية، سواء من جانب الإعلاميين الذين يملكون زمام التأثير، أو الجمهور الذي عليه أن يطالب بمحتوى يرتقي بعقله بدل أن يستهلك وقته في صخب بلا فائدة. الإعلام، في نهاية المطاف، هو مرآة للمجتمع، وعلينا جميعاً أن نسعى لأن تعكس هذه المرآة صورة أكثر نضجاً ووعيًا.

لعل المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في تهافت البعض من مقدمي البرامج والشخصيات المستضافة، بل أيضًا في غياب معايير حقيقية للمهنية والإبداع داخل المؤسسات الإعلامية. كثير من الفضائيات أصبحت تبحث عن الربح السريع والمشاهدات العالية على حساب المحتوى الجاد والمفيد.

في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا تُسهل الوصول إلى أي معلومة، بات الإعلام أقرب إلى سوق مفتوح يعرض فيه الجميع بضاعته بغض النظر عن قيمتها. لكن المشكلة الأخطر هي أن هذه البضاعة الرديئة تُشكل الوعي العام وتساهم في تضليل الجمهور، خاصة في ظل غياب البدائل الجادة التي تستطيع المنافسة.

إن الحاجة اليوم ملحة لإعادة تقييم دور الإعلام في بناء المجتمعات، ولإرساء قواعد واضحة تعيد الرصانة إلى مكانها الطبيعي. يجب أن يكون الإعلام أداة تثقيف وتنوير، لا مجرد وسيلة للترفيه الرخيص أو إثارة الجدل العقيم.

على الإعلاميين أنفسهم أن يدركوا أن الكلمة مسؤولية، وأن أدوارهم تتجاوز حدود الاستعراض إلى الإسهام في تشكيل ثقافة واعية ورؤية مستنيرة. كما أن الجمهور يحمل جزءًا من المسؤولية، إذ عليه أن يختار بعناية ما يشاهده ويستثمر وقته في محتوى يضيف إليه قيمة حقيقية.

"خلاصة القول " يبقى الأمل معقودًا على أولئك الإعلاميين الذين لم يتخلوا عن مبادئهم، وعلى المؤسسات التي تسعى بصدق إلى تقديم إعلام يخدم الحقيقة ويبني المستقبل.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال