جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى‏ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً..!

وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى‏ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً..!

حجم الخط

 


الشيخ حسن عطوان ||


سألني أحد الأخوة أنّه جاء في سورة الكهف على لسان أحد الرَجُليَن المتحاوريَن :

( وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى‏ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً ) [ الكهف : 36 ]

والإشكال هو : أنَّ صدر هذه الآية ينافي ذيلها ، إذ أنَّ مفاد الصدر أنَّ هذا الرجل لا يؤمن بوجود يوم القيامة ، بينما ظاهر الذيل أنّه يؤمن بذلك ، وأنّه يحسن الظن بالله سبحانه .

🖋 والجواب :

هذه الآية الكريمة وردت في سياق ذكر القرآن المجيد لقصة رجلين تحاورا في زمن ما ، فضرب بهما القرآن مثلاً :

( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * … فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً * وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً * وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى‏ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ … * وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّـهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّـهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَ وَلَداً * … وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى‏ ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) [ الكهف : 32 – 42 ] .

التفسير :

🖋 المراد بالجَنّة هنا : بستان .

النفر : أشخاص يلازمون الإنسان ، سمّوا نفراً لأنهم ينفرون معه ، ولذلك فسره بعضهم بالخدم والأولاد .

وفسره آخرون بالرهط والعشيرة .

والأول أرجح ؛ بقرينة المقابلة بما سيذكره الله تعالی من قول صاحبه له :

( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً ) .

‏🖋 وهذا الرجل المغرور المعجب بنفسه ، نظر إلی نفسه وهو مطلق التصرف فيما خوله الله من مال وولد لا يزاحَم فيما يريده في ذلك فاعتقد أنّه مالكه .

ونسي أنَّ الله سبحانه هو الذي مَلَكّه وهو المالك الحقيقي .

فما سخّره الله له وسلّطه عليه من زينة الحياة الدنيا ما هو إلّا فتنة وبلاء يُمتحَن بها الإنسان ليميز الله الخبيث من الطيب .

فهذا المغرور ظن أنّه منقطع عن ربه مستقل بنفسه فيما يملكه ، وأنَّ التأثير كله للأسباب الظاهرية التي سُخّرتْ له .

‏فنسي الله سبحانه وركن إلی الأسباب .

فظن أنَّ ذلك انما حصل عليه بقدرته وذكاءه فاستكبر علی صاحبه .

كما في قصة قارون فإنّه لمّا نُصح ألّا يفرح بمّا آتاه الله من المال ، قال :

( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلی‌ عِلْمٍ عنْدي ) [ القصص : 78 ] .

‏🖋 و هذا الذي يكشف عنه قوله :

( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً ) ، فهو يعتقد أنَّ ما حصل عليه بإستحقاقه الذاتي وبذكاءه ، بل أنَّ أمانيه ببقاء جنته وبالتالي خلوده في الدنيا أوصله الى إنكار المعاد .

( ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ) .

‏🖋 أما قوله تعالی :

( وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) ،

والمراد بالجنة جنسها و لذا لم تثن .

وقيل : لأنَّ الدخول لا يتحقق في الجنتين معاً في وقت واحد ، و إنّما يكون في الواحدة بعد الواحدة .

‏وقال الزمخشري في الكشاف مامضمونه :

فإن قلت : لِمَ أفرد الجنة بعد التثنية ؟

قلت : للإشارة الى أنَّه ليس له غير جنته في الدنيا التي أغتّر بها ، ولا نصيب له في الجنة التي وعد الله بها المؤمنين ، فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما .

( وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى‏ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً )

🖋 وهنا قد يُشكْل :

بأنَّ مفاد صدر هذه الآية الكريمة أنَّ هذا الرجل يستبعد قيام الساعة ، ولكن ذيلها يشير الى حُسْن ظنه بالله سبحانه بأنّه لو رُدّ الى ربه فسيجد ما هو افضل من جنته في الدنيا .

والسؤال : كيف يُحل هذا التنافي بين الصدر والذيل ؟؟

🖋 وجوابه :

إنَّ هذا المغرور لا يؤمن بقيام الساعة ، لكنّه من باب فرض المحال يقول أنّه لو فُرض أنّها قد قامت ورُدّ إلی ربه فأنّه يعتقد أنّه لإستحقاقه الذاتي ووجاهته – وليس برحمة الله وبحسن الظن به سبحانه – فإنّه سيجد عند ربه ما هو أفضل من جنته في الدنيا .

‏وهذا على وزان قوله تعالی :

( وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى‏ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى‏ ) [ فصلت : 50 ]

والله العالم .

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال