المهندس علي جبار
منذ عام 2003، دخل العراق في مرحلة سياسية معقدة، شهدت تحولات كبرى في بنيته السياسية والاجتماعية. وبينما كان الهدف المعلن هو بناء دولة ديمقراطية حديثة تقوم على أسس العدالة والمساواة، جاءت المحاصصة الطائفية والعرقية لتضع العراقيل أمام هذا الهدف، وتُنتج نظامًا سياسيًا هشًا وغير قادر على تلبية تطلعات الشعب.
خطورة الخطاب المغرض
في خضم الإخفاقات المتكررة لإدارة الدولة العراقية، بدأت بعض الخطابات المغرضة بالترويج لفكرة أن "الشيعة مو مال حكم"، محاولةً خلق انطباع مضلل ومشوش لدى الرأي العام. هذا النوع من الخطاب يفتقر إلى الموضوعية، ويتجاهل عمدًا أن المرحلة ما بعد 2003 لم تكن حكراً على طرف سياسي أو طائفي واحد، بل كانت نتاج شراكة بين مختلف القوى السياسية (سنية, شيعية, كردية وغيرها) التي تبنّت جميعها نهج المحاصصة.
هذا الخطاب لا يكتفي بتوجيه أصابع الاتهام إلى طائفة معينة، بل يعمل على تعميق الانقسامات بين مكونات الشعب العراقي، في وقت يحتاج فيه البلد إلى خطاب يوحّد الصفوف ويعالج الأزمات المتراكمة بعيدًا عن التمييز الطائفي أو العرقي.
المشكلة الحقيقية: المحاصصة وليس الطائفة
إن المشكلة الجوهرية التي تُثقل كاهل العراق ليست في انتماء طائفي أو مذهبي بحد ذاته، بل في نظام المحاصصة الذي اعتمدته القوى السياسية كافة. هذا النظام القائم على توزيع المناصب على أساس الولاءات الحزبية والطائفية بدلاً من الكفاءة والمهنية، كان السبب الرئيسي وراء:
1. سوء الإدارة: غياب الكفاءات القادرة على إدارة مؤسسات الدولة بشكل فعال.
2. انتشار الفساد: تحويل المناصب إلى أدوات لتحقيق المصالح الشخصية والفئوية.
3. انهيار البنية التحتية: تراجع مستوى الخدمات الأساسية نتيجة الإهمال والفساد.
4. تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية: نتيجة غياب التخطيط السليم والاعتماد على سياسات ارتجالية.
الجميع مسؤول عن الفشل
إن تحميل طرف واحد مسؤولية الفشل هو تبسيط مخلّ للحقيقة. جميع القوى السياسية، سواء كانت شيعية، سنية، كردية أو غيرها، شاركت في إدارة الدولة بعد 2003 وساهمت بشكل أو بآخر في تكريس النهج الخاطئ. الأحزاب الشيعية، على سبيل المثال، لم تكن استثناءً؛ فهي، كغيرها من الأحزاب، أخفقت في تقديم شخصيات كفوءة ومهنية قادرة على تحقيق إصلاح حقيقي. وبدلًا من ذلك، انخرطت في صراعات داخلية وتنافس على المناصب.
إصلاح المسار ضرورة وطنية
إن الوضع الراهن لا يحتمل المزيد من التسويف أو الإصرار على نفس النهج الفاشل. العراق بحاجة إلى تغيير جذري في طبيعة إدارة الدولة، من خلال:
1. التخلي عن المحاصصة: جعل الكفاءة والنزاهة المعيارين الأساسيين في اختيار القيادات.
2. محاسبة الفاسدين: تفعيل دور القضاء والمؤسسات الرقابية لملاحقة الفساد.
3. تعزيز الوحدة الوطنية: رفض الخطابات الطائفية والتركيز على بناء هوية وطنية جامعة.
4. تبني رؤية استراتيجية: وضع خطط طويلة الأمد لتحقيق التنمية المستدامة.
إعادة صياغة المفاهيم
إن العبارة المغرضة "الشيعة مو مال حكم" لا تعكس الواقع، بل تُستخدم كأداة لتوجيه الرأي العام بعيدًا عن المشكلة الحقيقية. العبارة الأدق والأكثر تعبيرًا عن الواقع هي: "أحزاب المحاصصة مو مال حكم"، لأنها تكشف جذور الأزمة المتمثلة في النظام السياسي القائم، وليس في انتماء طائفي أو عرقي.
ختامًا
إن استمرار هذا النهج القائم على المحاصصة سيؤدي حتمًا إلى مزيد من التراجع على جميع المستويات. القوى السياسية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ خطوات جريئة نحو الإصلاح الحقيقي. العراق يحتاج إلى قادة يمتلكون رؤية وطنية واضحة، بعيدًا عن الطائفية والمصالح الضيقة، لتحقيق تطلعات شعبه في بناء دولة قوية وعادلة. إن التغيير ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.