جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الإمام الكاظم عليه السلام والمحنة الأشد..!

الإمام الكاظم عليه السلام والمحنة الأشد..!

حجم الخط

 


الشيخ حسن عطوان || 


📌 أطلعتُ في وقت متأخر من الليلة الماضية على مقالة لأحد الأخوة ، نشرها بمناسبة ذكرى إستشهاد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، جاء فيها ما نصه :

” لا يوجد أي دليل حاسم ، بل ولا حتى معْتَدٍّ به ، يثبت أنَّ العباسيين قتلوا علوياً من الأئمة الإثني عشر الذين تؤمن الإمامية بإمامتهم .

وبحسب قراءاتي للتاريخ ، وهي قابلة للمراجعة شأن كل قراءة تاريخية ، أنَّ العباسيين أبرياء من هذه التهم ” !! انتهى .

📌 ولا أدري ما الذي يدفع البعض ممَّن يدّعي التشيع للتشكيك ببعض القضايا التي هي بديهية حتى عند مخالفينا وخصومنا ؟!!

📌 كما أجهل تماماً لماذا يُراد تبرئة كل مجرمي التاريخ من ظلمهم للشيعة ، وحربهم التي لم تتوقف يوماً ضد التشيع ؟!!

📌 لست هنا بصدد الإجابة التفصيلية عمّا تشبث به الأخ صاحب المقالة ؛ ففي الصحة إعتلال وفي المزاج كدورة وفي الصدر وحشة !

إنّما سأكتفي فقط ببعض المصادر ( السُنّية ) التي تحدثت بوضوح عمّا حصل مع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) من طغاة زمانه ، بإعتباره صاحب الذكرى .

1. جاء في البداية والنهاية لإبن كثير ما نصّه :

” ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة … وفيها توفي من الأعيان … موسى بن جعفر … ويقال له الكاظم … وكان كثير العبادة والمروءة … وقد إستدعاه المهدي العباسي ( 1 ) إلى بغداد فحبسه ، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي علي بن أبي طالب وهو يقول له :

يا محمد ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ) ( 2 ) فاستيقظ مذعوراً وأمر به فأُخرج من السجن ليلاً …

فلم يزل [ أي الإمام ] بالمدينة حتى كانت خلافة الرشيد فحج ( 3 ) ، فلما دخل ليسلم على قبر النبي ( صلى الله عليه وسلَّم ) ومعه موسى بن جعفر الكاظم ، فقال الرشيد : السلام عليك يا رسول الله ، يا بن عم ،

فقال موسى :

السلام عليك يا أبت .

فقال الرشيد : هذا هو الفخر يا أبا الحسن .

ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى إستدعاه في سنة تسع وسبعين [ سقط : بعد المئة ] ، وسجنه فأطال سجنه ” ( 4 ) .

ونقل مثل ذلك صاحب تاريخ بغداد ، وصاحب سِيَر أعلام النبلاء ، وآخرون ( 5 ) .

2. وفي الصواعق المحرقة ، قال :

” لمّا حج الرشيد سُعيَ به [ أي : بالإمام الكاظم ] إليه ، وقيل له : إنَّ الأموال تُحْمل إليه من كل جانب … فقبض عليه وأنفذه لأميره بالبصرة عيسى بن جعفر بن منصور ( 6 ) ، فحبسه سنة ، ثم كتب له الرشيد في دمه فاستعفى … وأنّه إنْ لم يرسل بتسليمه وإلّا خلّى سبيله ، فبلغ الرشيد كتابه ، فكتب للسندي بن شاهك بتسليمه وأمره فيه بأمر ، فجعل له سماً في طعامه ، وقيل في رطب فتوعك ومات بعد ثلاثة أيام ” ( 7 ) .

3. وجاء في مقاتل الطالبيين :

” وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله إنيّ اعتذر إليك من شيء أريد أنْ افعله ، أريد أنْ احبس موسى بن جعفر ، فإنّه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها ! ثم امر به فأُخذ من المسجد فأُدخل إليه فقيّده ، وأُخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحديهما ، ووجه مع كل واحد منهما خيلاً ، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ، ليعمى على الناس امره ، وكان موسى في التي مضت إلى البصرة ، فأمر الرسول أنْ يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذ فمضى به ، فحبسه عنده سنة.

ثم كتب إلى الرشيد : أنْ خذه مني وسلّمه إلى مَن شئت ، وإلّا خليت سبيله ، فقد اجتهدت أنْ آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك ، حتى إنّي لأتسَمّع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلّا لنفسه ، يسأل الله الرحمة والمغفرة .

فوجّه من تسلمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ( 8 ) ببغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، وأراده الرشيد على شيء من امره [ أي : أمره بقتل الإمام ] فأبى ، فكتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى ( 9 ) ، فتسلمه منه ، وأراد ذلك منه [ أي : أمره بقتل الإمام أيضاً ] فلم يفعله ، وبلغه أنّه عنده في رفاهية وسعة ودعة ، وهو [ أي : هارون ] حينئذ بالرقة ، فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد … وأمره أنْ يدخل من فوره إلى موسى فيعرف خبره ، فإنْ كان الامر على ما بلغه أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد ( 10 ) وأمره بامتثاله ، وأوصل كتاباً منه إلى السندي بن شاهك ( 11 ) يأمره بطاعة العباس بن محمد ، فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ، ثم دخل على موسى فوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك ، فأوصل الكتابين إليهما ، فلم يلبث الناس أنْ خرج الرسول يركض ركضاً إلى الفضل بن يحيى ، فركب معه وخرج مشدوهاً دهشاً حتى دخل على العباس ، فدعا العباس بالسياط وعقابين ، فوجه بذلك إليه السندي ، فأمر بالفضل فجُرد ثم ضربه مائة سوط ، وخرج متغير اللون بخلاف ما دخل …

وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد ، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلساً حافلاً وقال : أيها الناس ، إنَّ الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ، ورأيت أنْ العنه فالعنوه ، فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه.

وبلغ يحيى بن خالد ( 12 ) الخبر فركب إلى الرشيد ، فدخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ، ثم قال له : التفت إلي يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعاً ، فقال له : إنَّ الفضل حدث ، وأنّا أكفيك ما تريد [ ما يريده هارون هو قتل الإمام ] ، فانطلق وجهه وسُرّ ، فقال له يحيى : يا أمير المؤمنين ، قد غضضت من الفضل بلعنك إياه فشرفه بإزالة ذلك ، فأقبل على الناس فقال : إنَّ الفضل قد عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه ، فقالوا نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت وقد توليناه !!

ثم خرج يحيى بن خالد … حتى وافى بغداد ، فماج الناس وارجفوا بكل شيء … ثم دخل ودعا بالسندي وأمره فيه [ في الإمام الكاظم ] بأمره ( 13 ) .

4. وقال اليعقوبي في تاريخه :

” توفي موسى بن جعفر..وكان ببغداد في حبس الرشيد قِبَل السندي بن شاهك ” (14).

وإنْ كان هناك شكٌّ في إخلاص الأصفهاني واليعقوبي لتسننهما – كما هو ديدن القوم في إتهام كل سُنّيٍّ لديه بعض إنصافٍ – فلا وجود لمثل هذا الشك في إخلاص إبن كثير وابن حجر والذهبي والخطيب ، وأمثالهم .

فإبن كثير مثلاً لاشك في كونه حاقداً على الشيعة وناقماً عليهم ، يشهد لذلك أنّه وهو يصف أحد أعلام الشعراء الشيعة ، قال :

” ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة … وفيها توفي : إسماعيل بن محمد … أبو هاشم الحميري الملقب بالسيد ، كان من الشعراء المشهورين المبرزين فيه ، ولكنه كان رافضياً خبيثاً وشيعياً غثيثاً … وكان قبحه الله يسب الصحابة في شعره .

قال الأصمعي : ولولا ذلك ما قدّمت عليه أحداً في طبقته ” ( 15 ) .

📌 ومع ذلك فإبن كثير وغيره من مؤرخي السُنّة لم يسعهم إنكار ما حصل !

فيأتي هذا الأخ وينسف متبرعاً كل ما حصل ( بشخطة ) قلم !

📌 وخلاصة الأمر وفق نفس المصادر السُنّية :

إنَّ الإمام حُبس مرتين :

– الأولى منهما : كانت في زمن تسلط المهدي العباسي حيث أمر عامله على المدينة بإعتقال الإمام ، لكنّه أطلق سراحه بعد أنَّ رأى رؤية أفزعته بحسب بعض الروايات ، ولم يحدد المؤرخون مدة الحبس في هذه المرّة .

– وأمّا المرة الثانية : فكانت في سنة ( 179 ) هجرية ، حيث أمر هارون العباسي بإعتقال الإمام وهو يصلي في المسجد النبوي ، وأمر بالتوجه به إلى البصرة ، فأودعوه في سجن عيسى بن جعفر ، وبعد فترة انتقلوا به إلى سجن الفضل بن الربيع في بغداد ومنه إلى سجن الفضل بن يحيى ، ثم الى سجن السندي بن شاهك .

وقد بلغ إرهاق الإمام والتنكيل به والتضييق عليه من قبل هذا المجرم مبلغاً شديداً .

وبقي الإمام سجيناً في هذه المرة لأربع سنوات حتى أُستُشهد في ( 25 ) من شهر رجب من عام ( 183 ) هجرية .

حيث نصّت بعض الروايات أنَّه أُجبر على تناول طعام مسموم .

📌 ولعل السبب في عدم حبس الإمام مع عامة الناس ، هو الخوف من تأثيره الأخلاقي والروحي على كل مَن يحيط به ، كما حصل فعلاً مع بعض سجّانيّه ، وليس أنّه لم يكن مسجوناً بالفعل أو للترفيه عنه كما توهم صاحب المقالة ، فهذا ممّا لم يقل به أحدٌ من المؤرخين السُنّة إلّا في سجن الفضل بن يحيى ، إنْ كان النقل صحيحاً ، وسلّمنا بأنَّ ذلك لم يكن مجرد دعوى كيدية ضد الفضل من قبل خصومه .

📌 إنَّ مِحْنة الإمام الأشد من السجن ، هي مع مثل هؤلاء المتبرعين بنفي ما جرى عليهم من ظلامات ومحن ، وبنفي محَن ومظلومية شيعتهم عبر التاريخ !!

عظّم الله أجوركم .

( 1 ) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الملقب بالمهدي ، ثالث خلفاء بني العباس بعد السفاح والمنصور الدوانيقي .

( 2 ) محمد : 22 .

( 3 ) الظاهر أنّه كان في عمرة شهر رمضان لسنة ( 179 ) هجرية ؛ لأنَّ إعتقال الإمام حصل في شهر شوال من تلك السنة ، كما أكدته مصادر أخرى .

( 4 ) إسماعيل بن كثير الدمشقي ، ( ت : 774 ه‍ج ) ، البداية والنهاية ، ج 10 ، ص 197 ، الناشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

( 5 ) لاحظ مثلاً : الخطيب البغدادي ، أبو بكر أحمد بن علي ، ( ت : 463 هج ) ، تاريخ بغداد ، ج 13 ، ص 29 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

و : الذهبي ، محمد بن أحمد بن عثمان ، ( ت : 748 هج ) ، سِيَر أعلام النبلاء ، ج 6 ، ص 272 – 273 ، الناشر : مؤسسة الرسالة ، بيروت .

( 6 ) هو عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي ، من أمراء بني العباس ، وهو إبن عم هارون وأخو زبيدة زوجته .

( 7 ) أحمد بن محمد … بن حجر الهيتمي ، ( ت : 973 هج ) ، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ، وهو كتاب في نقد معتقد الشيعة الإثني عشرية ، ص 308 ، طبعة الكترونية .

( 8 ) هو الفضل بن الربيع بن يونس ، وكان حاجب هارون ، وكان أبوه حاجباً لأبي جعفر العباسي .

( 9 ) هو الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي ، وزير هارون وحامل خاتم السلطة .

( 10 ) هو العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، ولي الشام لأخيه أبي جعفر ، وولي الجزيرة لهارون .

( 11 ) السندي بن شاهك : هو رئيس شرطة هارون ، وهو معروف بالقسوة وعدم الرحمة لكل مخالف لأوامر الخليفة ، وكان يكلَّف بالمهمّات التي تحتاج إلى قمع وتجسس ، ويُنسب إلى أمّه وليس إلى أبيه ، فشاهك هو إسم أمّه .

( 12 ) هو يحيى بن خالد البرمكي ، والد الفضل الذي تقدم ذكره ، كان كاتب هارون قبل أن يلي الخلافة ، ثم أصبح وزيره بعد أنْ تولاها ، وأصبح هو وأولاده الفضل وجعفر من علية القوم في خلافة هارون .

( 13 ) الأصفهاني ، أبو الفرج ، علي بن الحسين بن محمد … ابن مروان بن عبد الله بن مروان المعروف بالحمار آخر خلفاء الدولة الأموية في الشام ، مقاتل الطالبيين ، ( ت : 356 هج ) ، ص 334 – 335 ، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر ، قم ، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف .

( 14 ) اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب ، ( ت : 284 هج ) ، تاريخ اليعقوبي ، ج 2 ، ص 414 ، الناشر : دار صادر ، بيروت .

( 15 ) البداية والنهاية ، مصدر سابق ، ج 10 ، ص 186 .

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال