د. جاسم يونس الحريري ||
كل يوم تتكشف أمامنا الكثير من الحقائق التي تسلط الضوء على حقيقة مهمة أن ما حصل في سوريا في 8/12/ 2024لم يكن أمرا أعتباطيا ولاحتى تلقائيا بل أن الامر دبر في ليل بين تركيا و”اسرائيل” ،وقطربأمتياز. وما يثبت مانقوله نشير الى ماقالته القناة 12 الإسرائيلية، “إن المسؤولين الأتراك نقلوا رسائل إلى إسرائيل، طالبين فيها إنشاء آلية تنسيق مع الجيش الإسرائيلي، في سوريا، على غرار الآلية التي كانت بين الروس و”إسرائيل” .
ويأتي ذلك، وفقا للقناة الإسرائيلية، في إطار دخول تركيا إلى سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد. ولابد التذكير بطبيعة التوافق الروسي الاسرائيلي في سوريا قبل 2024. حيث انه قبل انطلاق العملية العسكرية الروسية في سوريا في سبتمبر 2015، توصلت “إسرائيل” وروسيا إلى تفاهمات تنظم التنسيق بينهما في سوريا.
وتضمنت هذه التفاهمات ضمان حرية العمل الإسرائيلي لمنع نقل أسلحة إلى حزب الله، وحماية الحدود مع الجولان، وحق توجيه ضربات استباقية ضد تهديدات موجهة، بالإضافة إلى منع إدخال أسلحة روسية متقدمة تغير التوازن العسكري، واحتواء النفوذ الإيراني في سوريا.
وشمل التنسيق خطا هاتفيا ساخنا بين الكرملين ورئاسة الوزراء الإسرائيلية، وتواصلا بين المستويات الأمنية العليا، بما في ذلك “مجلس الأمن القومي الروسي” و”مستشار الأمن القومي الإسرائيلي” .
كذلك، كان هناك تواصل تكتيكي بين “قاعدة حميميم” الروسية و”الاستخبارات الإسرائيلية” في الجولان المحتل. المثير للانتباه حتى التوافق الاسرائيلي التركي بدأت تقلق منه “اسرائيل” بذاتها والخشية من أستغلال تركيا تواجدها في الساحة السورية قد يهدد مصالح “اسرائيل” نفسها هناك.
ويدعم هذه الفرضية المقدم “أميت ياغور”، وهو النائب السابق لرئيس الساحة الفلسطينية في “مديرية التخطيط” في ”الجيش الإسرائيلي” و”رئيس الساحة الشمالية” في “المخابرات البحرية الاسرائيلية” ، من خلال مقالة له نشرت في صحيفة “معاريف” الاسرائيلية الشهر الماضي من عام2024 أذ سلط الضابط إلاسرائيلي الضوء على ما أسماه “الخطر الذي يشكله تنامي نفوذ تركيا في المنطقة بعد أن تمكن الثوار السوريون من السيطرة على سوريا بعد إسقاط حكم بشار الأسد بمساعدة من أنقرة” .ودعا الى “مواجهة هذا النفوذ من خلال التعاون مع الولايات المتحدة عبر تفعيل خطة مارشال تشمل إعادة إعمار سوريا وتقديم الدعم المالي والاقتصادي من خلال تحالفات إقليمية ودولية” .
وأعتبر ”ياغور” ”أن تركيا وقطر تحاولان تشكيل نظام إقليمي جديد، ومنطقة قيادة ونفوذ لمحور الإخوان المسلمين السني المتطرف، الذي يحل فعليا محل محور المقاومة الشيعي الذي انهار بإخراج سوريا من المعادلة” .
واعتبر الضابط الإسرائيلي “أن الوجود التركي في سوريا يشكل تحديا غير مباشر لإسرائيل، يتعلق بقدرة تركيا على تجميع وتحريك قواتها العسكرية عبر الأراضي السورية، بما يهدد حدود إسرائيل سواء على مستوى الهجوم المباشر أو من خلال تمويل جماعات مسلحة معادية لإسرائيل” .
ويرى أن “هذا التهديد يزداد تعقيدا في ظل دعم تركيا لجماعات إسلامية متطرفة مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تعتبرها إسرائيل تهديدا مباشرا على أمنها القومي” .وعن النفوذ الاقتصادي لتركيا، يشير “ياغور” إلى “أن تركيا تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا حول تحديد الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط، وهو اتفاق سيسمح للبلدين بزيادة منطقة نفوذهما بحثا عن الطاقة، فضلا عن التعاون مع سوريا في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك الموانئ” .
وذكّر الضابط الإسرائيلي باتفاق مماثل وقعته تركيا مع ليبيا عام 2019 تم فيه “ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ، مما سمح لسفن الأبحاث التركية بالتنقيب عن الغاز برفقة السفن العسكرية، حيث قدمت أنقرة في المقابل مساعدات عسكرية مثل أسلحة وطائرات بدون طيار ومستشارين عسكريين وقوات” .
وربما الأهم من ذلك وفقا لياغور، “أن من المرجح جدا أن تشمل خطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضا إحياء الحلم التركي وتحويل تركيا إلى مركز لتسويق الغاز إلى أوروبا، حيث سيمر خط أنابيب الغاز من قطر، عبر أراضي البر الرئيسي السوري إلى تركيا، وصولا إلى ألمانيا التي وقّعت بالفعل اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال من قطر” .
ويلفت ياغور الانتباه إلى “أن هذا الطريق قد يكون منافسا لرؤية الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب ضمن صفقة القرن، والتي تتضمن تصورا لطريق بري جديد سيتم إنشاؤه من الشرق عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والذي من المفترض أن يمر عبر إسرائيل ومن هناك إلى أوروبا” .
وفي مواجهة التحديات التي يمثلها الوجود التركي في سوريا، يرى الضابط الإسرائيلي أن أمام تل أبيب عدة سيناريوهات، “السيناريو الأول الذي قد تطرحه “إسرائيل” هو معارضة الحكومة السورية الجديدة، واعتبارها “ذئبا في ثياب حمل” ، بمعنى أن الإدارة التي ستحل مكان الأسد قد تكون خاضعة لنفوذ تركي قوي، مما يعرّض “إسرائيل” لخطر “وجود محور سني متطرف يقوده أردوغان، وهو ما قد يؤدي إلى تهديد طويل الأمد على حدودها، سواء عبر البحر أو البر أو الجو” وفق مايراه ذلك الضابط الاسرائيلي. وحسب ياغور، ف”هناك خيار آخر قد يفكر فيه صانعو القرار في إسرائيل، وهو الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة في محاولة للتأثير على صورة سوريا المستقبلية وضمان عدم هيمنة تركيا بشكل مطلق على المنطقة” .
ويهدف هذا السيناريو وفق “ياغور” إلى “إبطاء مساعي أردوغان في إقامة “أردوغانستان” إستراتيجي على حدود إسرائيل، ولكن هذا الخيار يحمل أيضا مخاطر كبيرة بما يخص الأمن الإقليمي” .
ويضيف “رغم صعوبة كلا الخيارين، فإن البعض في إسرائيل يعتقد أن حياة المنطقة ليست بالأبيض والأسود، وأن هناك بديلا ثالثا قد يسمح لإسرائيل بالتحكم في مجريات الأمور بشكل أفضل، وهو مسعى يعكس التوجهات الأميركية في المنطقة” .
البديل الثالث الذي يقترحه المقدم أميت ياغور هو استخدام “المدنية” كأداة للتأثير، وهي فكرة تتجاوز التوجهات العسكرية البحتة إلى لعب دور محوري في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، بالشراكة مع الولايات المتحدة ودول اتفاقيات أبراهام، مستفيدة من التمويل الاقتصادي والدعم السياسي في هذه المرحلة الحرجة.
ويمضي بالقول “إن الولايات المتحدة قد تكون شريطا فعالا في هذه المبادرة عبر تفعيل خطة مارشال تشمل إعادة إعمار سوريا وتقديم الدعم المالي والاقتصادي من خلال تحالفات إقليمية ودولية.
وهو ما يمكن إسرائيل من التأثير في عملية تشكيل سوريا الجديدة بما يخدم مصالحها على المدى الطويل”. ويضيف ياغور “إن إعادة الإعمار في هذا السياق ليست فقط مشروعا اقتصاديا، بل أداة إستراتيجية قد تعزز من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، مما يقلل من أهمية التدخلات العسكرية التركية”.