جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف التوبة والاستغفار: صوت الروح ونداء القلب..!

التوبة والاستغفار: صوت الروح ونداء القلب..!

حجم الخط

 


د. عامر الطائي ||

لا شيء أشدُّ وقعًا على النفس وأعمق أثرًا في القلب من لحظةٍ يقف فيها الإنسان بين يدي خالقه، منكسرًا، متذلّلًا، يرجو المغفرة، ويطلب العفو والرحمة.

هذه اللحظة، التي تفيض فيها الروح بندمٍ صادق، وتتهدّج فيها الكلمات بالدعاء، هي من أعظم ما يمكن أن يرقى به الإنسان في سُلَّم الإنسانية، ومن أسمى ما يقرّبه من معاني الطهر والكمال.

فالدعاء الذي استُفتِح به هذا المقال ليس مجرد كلماتٍ تُتلى، وإنما هو نداءٌ يخرج من أعماق النفس، وصرخةٌ تهتف بها القلوب التي أنهكها ثِقلُ الذنوب، وهدّها وطءُ الخطايا.

إنه اعترافٌ صريح بأن الإنسان، مهما علا شأنه أو عظم قدره، يظل ضعيفًا أمام نوازعه، متعثّرًا في مسيره، محتاجًا إلى رحمةٍ تسع ما اقترف، وإلى مغفرةٍ تزيل عنه آثار ما فرّط وأسرف.

لقد فطن التراث الإسلامي، منذ أقدم عصوره، إلى أنّ الذنوب لا تقتصر آثارها على الفرد فحسب، بل تتعدّاه إلى المجتمع بأسره.

فهذا الدعاء يستنزل المغفرة من الذنوب التي تهتك العصم، أي التي تكسر الحواجز بين الإنسان وبين ربه، وتجرّئه على التمادي في الخطأ حتى يُحكم الخطيئة حول نفسه كالقيد.

كما يستنزل المغفرة من الذنوب التي تنزل النقم، أي تلك التي تؤدي إلى الشقاء، وتعكّر صفو الحياة، وتجلب النكبات على الأفراد والجماعات.

ثمّ يأتي الاستغفار من الذنوب التي تغيّر النعم، وكأن في ذلك إقرارًا بأن للنِّعَم شكرًا لا بد أن يُؤدّى، فإذا قُوبلت بالجحود، سُلبت، وإذا تُركت دون حفظٍ ورعاية، زالت. وهذا درسٌ لا ينبغي أن ينساه إنسانٌ يحرص على دوام الخير في حياته، ويرجو بقاء البركة في رزقه وصحته وأمانه.

أما الذنوب التي تحبس الدعاء، فهي إشارةٌ دقيقة إلى حال أولئك الذين يُعرضون عن الاستغفار، فيجدون أنفسهم وقد تحجّرت قلوبهم، فلم يعد لدعائهم أثرٌ ولا لاستغاثتهم صدى، وكأنما يُنادى عليهم من بعيد: كيف تطلبون ما لم تحفظوه؟

وكيف ترجون إجابةً وأنتم تحجبون أنفسكم عن ربّكم بمعاصيكم؟

إن الدعاء والاستغفار ليسا مجرد أفعالٍ تُقال باللسان، بل هما في جوهرهما اعترافٌ بضعف الإنسان، وإقرارٌ بحاجته الدائمة إلى يدٍ تُعينه، ورحمةٍ تحتضنه، ومغفرةٍ تفتح له أبواب الرجاء.

إنه تذكيرٌ دائم بأن الإنسان، رغم ما يصيبه من زهوٍ بإنجازاته، يظل مخلوقًا محكومًا بحدوده، لا غنى له عن القوة الإلهية التي ترعاه، ولا مفرّ له من اللجوء إلى الله حين تضيق به الدنيا أو يثقل عليه الحمل.

وكما قال أحد العارفين: “اللهم لا تَكِلني إلى نفسي، فإني إن وكلتني إليها هلكت.”

إن الإنسان، مهما بلغ من العلم والمعرفة، سيظل عاجزًا أمام طغيان نفسه إن لم يكن له من الاستغفار وقاية، ومن الدعاء ملاذ.

فليكن هذا الدعاء صوتًا دائمًا في قلوبنا، نردده في السراء والضراء، ونتذكر به أن العودة إلى الله هي أعظم انتصار يمكن أن يحققه الإنسان على ضعفه.

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال