سمير السعد
يبدو أن السياسي ظافر العاني لا يفوّت فرصة لإطلاق التصريحات المثيرة للجدل، والتي لا تحمل في طياتها سوى محاولة تأجيج الأوضاع وإلقاء اللوم جزافًا على الآخرين، متناسياً أن السياسة مسؤولية قبل أن تكون منصة للتنظير والتصعيد.
في أحدث تصريحاته، عاد العاني ليمارس هوايته المفضلة في النقد اللاذع، متجاهلًا حقيقة أن العراق يمر بمرحلة دقيقة تتطلب تضافر الجهود، لا توزيع الاتهامات المجانية. يتحدث عن “الطبقة السياسية” وكأنه لم يكن جزءًا من المشهد السياسي بكل تعقيداته. هل نسي العاني دوره في مختلف المراحل السابقة؟ أم أنه يتقمص دور المعارض الحصري رغم كونه جزءًا من المنظومة التي ينتقدها؟
إن هذا النوع من التصريحات لا يخدم العراق بقدر ما يزيد من حالة الاستقطاب، وهو ما يجعلنا نتساءل ، لماذا يظهر ظافر العاني عند كل منعطف سياسي ليؤدي ذات الدور؟ هل هو مجرد ناقد دائم أم أنه يتحين الفرص كما تفعل الأفعى، متربصًا بأي هفوة ليبني عليها خطابًا يرسخ الانقسام؟
السياسة ليست حلبة لتصفية الحسابات، بل ساحة للعمل والإصلاح الحقيقي، ومن يريد تقديم الحلول عليه أن يكون جزءًا من صناعة الحل، لا مجرد متفرج يبحث عن أخطاء الآخرين ليبرئ نفسه. العراق بحاجة إلى قيادات تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وليس إلى خطابات جوفاء تكرر ذات الأسطوانة المشروخة.
إن العبرة الحقيقية في السياسة ليست بعدد التصريحات الرنانة ولا في إتقان فن انتقاد الآخرين، بل في القدرة على تقديم حلول واقعية ومبادرات بنّاءة تسهم في تجاوز الأزمات. غير أن ظافر العاني، للأسف، يفضّل لعب دور المراقب المتفرج، الذي لا يرى سوى أخطاء غيره، متجاهلًا مسؤوليته هو ومن يشبهه من السياسيين في الوصول إلى هذا الوضع المتأزم.
العراق اليوم يحتاج إلى رجال دولة، لا إلى أبواق دائمة الصراخ دون تقديم رؤية واضحة أو خطة قابلة للتنفيذ. فكم من سياسيين ملأوا الدنيا صخبًا بادعاء الحكمة والمعرفة، وعندما أُتيحت لهم الفرصة لصنع الفارق، لم يقدموا سوى الخيبات؟ الحقيقة التي لا يريد البعض الاعتراف بها هي أن إصلاح أي بلد لا يتم عبر تصيّد الأخطاء وتوزيع اللوم، بل من خلال العمل الجاد والمخلص.
ما يثير الاستغراب أكثر هو أن هذه التصريحات تأتي دائمًا في توقيت حساس، وكأنها تهدف إلى زيادة التوتر بدلًا من تهدئته، وكأن أصحابها لا يهمهم سوى تسجيل النقاط السياسية حتى لو كان ذلك على حساب استقرار العراق ومستقبله. إن من يتحدث عن العقلانية والإصلاح عليه أن يكون قدوة في ذلك، لا أن يتحول إلى بوق للانتقاد دون حلول، أو إلى سياسي لا يظهر إلا حين يعتقد أن الفرصة سانحة للانتقام الخطابي من خصومه.
اخيرا .. العراق ليس بحاجة إلى المزيد من الأصوات التي تكتفي بالنقد دون تقديم بدائل، وليس بحاجة إلى سياسيين يتقنون فنّ التربص والانقضاض كما تفعل الأفاعي، بل إلى قادة يضعون الوطن أولًا، ويتحملون مسؤولياتهم بشجاعة بدلًا من الاختباء وراء الخطابات الشعبوية.