المهندس علي جبار
يشهد العراق، في ضوء التوترات السياسية والاقتصادية الحالية، واقعًا معقدًا يتطلب التعامل مع الضغوط الخارجية، وخاصة الضغط الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة. سياسة "الضغط الاقتصادي الأقصى" التي انتهجتها إدارة ترامب، بالإضافة إلى التحديات الإقليمية والمحلية، ستؤدي بلا شك إلى تحولات داخلية جذرية في النظام السياسي العراقي. فهذه الضغوط، الموجهة بالدرجة الأولى نحو تقليص النفوذ الإيراني في العراق وتحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ستسهم في تغيير سلوك الأحزاب السياسية ونوعية التحالفات السياسية، مما ينعكس على مستقبل العراق في السنوات القادمة.
1. الضغط الأمريكي الأقصى: التأثيرات على العراق
تتمثل سياسة "الضغط الاقتصادي الأقصى" في فرض عقوبات اقتصادية وسياسية تهدف إلى إضعاف قدرة الدول المستهدفة على التعامل مع الاقتصاد العالمي وتقليص نفوذها على الساحة الإقليمية والدولية. في حالة العراق، يركز هذا الضغط على محاور عدة، مثل:
• الضغط على العلاقات مع إيران: العراق يعد ساحة رئيسية للتنافس الإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران. مع الضغوط الأمريكية، سيكون العراق أمام تحدي صعب في تقليص علاقاته مع إيران، وهو ما قد يتسبب في توترات داخلية بين القوى السياسية المدعومة من طهران وبين القوى التي تسعى لتعزيز علاقاتها مع واشنطن.
• العواقب الاقتصادية: العراق، الذي يعتمد بشكل رئيسي على صادرات النفط، سيواجه تحديات كبيرة في حال فرضت الولايات المتحدة مزيدًا من العقوبات على القطاعات الحيوية مثل النفط والطاقة. هذا سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، ويزيد من حدة الفقر والبطالة، مما سيؤثر سلبًا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد.
2. التغيرات السياسية الداخلية: تأثير الضغوط على النظام السياسي
الضغط الخارجي سيعزز من التحولات الداخلية في العراق، وسيتسبب في تغييرات ملحوظة على مستوى الأحزاب السياسية وسلوكها، مما قد يغير في مجمل النظام السياسي العراقي.
• استقطاب سياسي متزايد: العراق سيشهد تزايدًا في الانقسامات السياسية بين القوى المتحالفة مع إيران وتلك التي تسعى للانفتاح على الولايات المتحدة. هذا الاستقطاب قد يعمق الأزمة الداخلية ويزيد من تعقيد الأمور، حيث ستكون كل جهة تسعى إلى الدفاع عن مصالحها الخاصة وتوجهاتها الإقليمية. الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، مثل "حزب الدعوة" و"كتائب حزب الله"، قد تجد نفسها في مواجهة مع الحكومة التي تسعى إلى تحقيق توازن أكبر في علاقاتها الخارجية.
• ظهور قوى سياسية جديدة: مع تعمق الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، قد تنشأ فرص للأحزاب المعارضة والقوى السياسية غير التقليدية لتقديم نفسها كبديل أكثر استقلالية عن التأثيرات الإقليمية والدولية. هذه القوى قد تدعو إلى تعزيز الديمقراطية، وتحقيق الإصلاحات الحقيقية في نظام الحكم، ومحاربة الفساد. هذه التغيرات قد تساهم في ظهور تيارات سياسية جديدة تركز على تقديم حلول بديلة للأزمة الراهنة.
• الإصلاحات السياسية والاقتصادية: لضمان استقرار البلاد في مواجهة الضغوط، قد تضطر الحكومة العراقية إلى إجراء إصلاحات سياسية عميقة. قد تشمل هذه الإصلاحات تعديل القوانين الانتخابية، وتعزيز الشفافية في إدارة الدولة، وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية. هذه الإصلاحات ستكون ضرورية لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية وتحسين مستوى الثقة في المؤسسات الحكومية.
3. تأثير الضغوط على سلوك الأحزاب السياسية
الأحزاب السياسية العراقية ستجد نفسها أمام تحديات كبيرة في كيفية التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية:
• الأحزاب الشيعية: هذه الأحزاب قد تواصل مسار تحالفاتها مع طهران، في محاولة للنجاة من الضغوط الأمريكية. لكن ذلك سيزيد من العزلة الاقتصادية للعراق، مما قد يفتح الباب أمام معارضتها من قبل الجمهور الذي يعاني من الأزمات الاقتصادية. في المقابل، قد تشهد بعض الفصائل داخل هذه الأحزاب تغييرات في مواقفها، خاصة إذا أدركت أن التحالف مع إيران يضر بمصلحة العراق على المدى الطويل.
• الأحزاب السنية والكردية: في ظل الضغوط الأمريكية، قد تتجه هذه الأحزاب إلى تعزيز موقفها السياسي، وخصوصًا الأحزاب السنية والكردية التي قد ترى في هذه الضغوط فرصة للضغط من أجل تحقيق مطالبها السياسية. كما أن هذا الوضع قد يعزز من مطالبات هذه القوى بمزيد من الاستقلالية عن النفوذ الإيراني الأمريكي.
• ظهور تحالفات جديدة: إذا تزايدت الضغوط الاقتصادية، قد نرى ظهور تحالفات سياسية جديدة بين الأحزاب التي تسعى إلى الاستقلال عن التأثيرات الخارجية. الأحزاب التي تدعو إلى الإصلاح والحد من الفساد قد تجد في هذه المرحلة فرصًا لزيادة نفوذها على الساحة السياسية العراقية.