سمير السعد
في كل حرب، يكتب التاريخ سيرة القادة الذين واجهوا العواصف، لكن الجغرافيا تروي القصة الحقيقية لشعوب دفعت الثمن. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي صُوِّر كرمز للصمود أمام الهجوم الروسي، بات اليوم عنوانًا لمأساة وطن يعاني الدمار، وشعب يتشتت في المنافي، واقتصاد يحتاج عقودًا ليتعافى.
سيقال يومًا إنه قاد بلاده بشجاعة ورفض الاستسلام، وسيدوّن المؤرخون خطاباته النارية وزياراته لجبهات القتال. لكن ماذا عن الملايين الذين خسروا منازلهم وأحلامهم؟ ماذا عن أوكرانيا التي كانت دولة مزدهرة فأصبحت ساحة حرب مفتوحة تحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة الإعمار؟ الحكمة ليست في خوض الحروب فقط، بل في تجنبها أيضًا. القادة العظماء هم من يحمون أوطانهم من نيران الصراعات، وليس فقط من يقاتلون حتى الرمق الأخير.
من المؤكد ، الذي يراهن على دعم الغرب، يجد نفسه وسط معادلة قاسية بلاده تدفع الثمن، بينما القوى الكبرى تحسب مكاسبها وخسائرها وفقًا لمصالحها. وها هو يتلقى درسًا قاسيًا في السياسة الدولية على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في لقاء علني، جلس زيلينسكي أمام ترامب، فكانت الإهانة واضحة ، تجاهل و فتور، وتصريحات تكشف أن واشنطن ترى في أوكرانيا مجرد ورقة تفاوض، لا شريكًا حقيقيًا. ترامب، الذي لطالما أبدى استهزاءه بحلفاء واشنطن الصغار، لم يتردد في كشف الحقيقة أمام الجميع: لا ولاء دائم في السياسة، بل مصالح متغيرة.
هذا اللقاء، الذي أظهر زيلينسكي في موقف المتوسل لدعم لا يأتي بلا ثمن، يجب أن يكون درسًا لكل حاكم يراهن على أمريكا والصهيونية. من يعتمد على هذه القوى لن يجد عندها سوى الاستغلال، ثم التخلي عند أول منعطف.
التاريخ مليء بالأمثلة، والجغرافيا تؤكد أن من لا يحمي وطنه بعقله قبل سلاحه، ستحوله الحروب إلى مجرد ذكرى في كتب السياسة.
لطالما قدمت واشنطن نفسها كحامية للديمقراطية وحقوق الشعوب، لكنها في الحقيقة لا تقدم سوى الأوهام لمن يصدق وعودها. زيلينسكي، الذي سار خلف البيت الأبيض معتقدًا أن الدعم الأمريكي سيجعل أوكرانيا قوة عسكرية واقتصادية، اكتشف متأخرًا أن واشنطن لا تقدم شيئًا بلا مقابل، وأن المساعدات التي تتدفق على بلاده ليست إلا استثمارًا في حرب بالوكالة ضد روسيا، لا مشروعًا حقيقيًا لإنقاذ أوكرانيا.
ترامب لم يكن الأول ولن يكون الأخير في فضح هذه الحقيقة. من قبل، رأينا كيف تخلت أمريكا عن حلفائها في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وكيف تركت دولًا كانت تدعمها تغرق في الفوضى بمجرد انتهاء دورها.
اليوم، أوكرانيا ليست سوى نموذج آخر لهذه السياسة، وزيلينسكي هو الحلقة الأحدث في سلسلة القادة الذين خدعهم الوعد الأمريكي.
العبرة لكل حاكم يراهن على واشنطن والصهيونية، معتقدًا أن الولاء للأجندة الغربية سيحميه أو ينقذ بلاده. لا أمان مع هذه القوى، ولا حماية إلا لمن يحمي نفسه بنفسه. زيلينسكي اختار الرهان الخاطئ، فكانت النتيجة بلدًا مدمرًا، وشعبًا مشرّدًا، ومصيرًا مجهولًا. فهل يتعلم الباقون قبل أن يجدوا أنفسهم في المكان نفسه؟