جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف مسلسل معاوية: بين التزييف والتلميع القسري

مسلسل معاوية: بين التزييف والتلميع القسري

حجم الخط

 

حسين سالم


لم يكن مسلسل معاوية مجرد إنتاج درامي، بل مشروع تضليل متعمد يراد منه فرض رواية زائفة على الوعي الجمعي، في محاولة مكشوفة لتلميع شخصية صنعت مجدها على جماجم الأبرياء، ومهّدت لحكم استبدادي لم يعرف له التاريخ الإسلامي مثيلًا. إن الأموال الطائلة التي أنفقت على هذا المسلسل لم تكن بهدف تقديم قصة محايدة أو عمل فني متوازن، بل كانت استثمارًا سياسيًا قذرًا لفرض رؤية مغلوطة وإعادة تأهيل شخصية أثارت الخراب في الأمة، وقلبت موازين العدل، وحوّلت السلطة إلى غنيمة يتوارثها الطغاة.

المحاولة ليست جديدة، لكنها هذه المرة أكثر وقاحة، لأنها لا تكتفي بتبرير الجريمة، بل تحاول أن تصنع منها بطولة، فتقدم شخصية مارست التآمر والخيانة كأنها نموذج للقائد المثالي. فالرجل الذي ثار على خليفة شرعي، وسفك دماء المسلمين، وتحالف مع أعداء الأمة لضرب وحدتها، يُقدَّم اليوم كرمز للاستقرار، وكأن الكذب يمكنه أن يصنع تاريخًا جديدًا، أو أن يغير من حقيقة أن ما قام به لم يكن سوى خيانة موصوفة بكل المقاييس.

إن توقيت هذا الإنتاج لم يكن عبثيًا، بل جاء في مرحلة يُراد فيها إقناع الشعوب بأن الاستسلام للأمر الواقع هو قدر محتوم، وأن التمرد على الطغيان لا يجلب سوى الفوضى. إنهم يريدون أن يُقنعوا الناس بأن القهر والتسلط ليسا خطأً في نظام الحكم، بل ضرورة يجب تقبلها، وبأن من يتحايل على السلطة ويفرض نفسه بالقوة ليس مذنبًا، بل قائد عبقري يجب أن يُحتذى به. وهكذا يتحول التاريخ إلى سلاح في يد الأنظمة الفاسدة، تفرض به مفاهيمها المنحرفة، وتُلبس بها الجريمة ثوب الحكمة.

إن تقديم هذه الشخصية على أنها بطلٌ تاريخي هو جريمة فكرية وأخلاقية، لأن ذلك يعني قبول فكرة أن الغدر فضيلة، وأن الانقلاب على الحق شطارة، وأن الاستحواذ على الحكم بأي وسيلة أمرٌ مشروع. هذه ليست مجرد إساءة للتاريخ، بل ترويج لنموذج سياسي منحرف يُراد منه غسل أدمغة الأجيال الجديدة، حتى لا ترى في الطغيان مشكلة، ولا تجد في التآمر خطرًا، بل تعتبره مهارة وحنكة.

لكن الحقيقة لا يمكن أن تُطمس، والتاريخ لا يُكتب بالأموال، ولا يُعاد تشكيله بأوامر سياسية. فمهما حاولوا أن يغيّروا الرواية، ستبقى الوقائع شاهدة على أن ما يُحاولون تجميله ليس إلا سلسلة من الجرائم التي دفع المسلمون ثمنها غاليًا، وكانت بداية عهدٍ من الظلم لم ينتهِ حتى اليوم. وإن مسلسلًا كهذا، مهما بلغت درجة الإنفاق عليه، لن يغيّر من حقيقة أن رموزهم ليست إلا قتلة يبحثون عن من يغسل أيديهم من الدماء.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال