سمير السعد
عندما أمر الحجّاج بن يوسف الثقفي بقتل العالم الجليل سعيد بن جبير، لم يكن يدرك أن دم هذا الرجل الصالح سيكون لعنة تطارده في حياته وبعد مماته. لم يهنأ الحجّاج بسلطته بعدها، ولم يجد للراحة سبيلاً، بل صار يُسمع صراخه في الليل: “مالي ولسعيد بن جبير؟ كلما أردت النوم أخذ برجلي!”
ليس غريبًا أن يكون هذا حال الطغاة، فالدم الذي يُسفك ظلمًا لا يجف في صفحات التاريخ، بل يبقى ندبةً في وجه كل ظالم، يطارده في أحلامه، ويكتب له نهايته ولو بعد حين.
أيها الجولاني، هل تظن أنك ستكون استثناءً من هذه القاعدة؟ هل تظن أن الدماء التي أسلتها ستذهب هدرًا، وأن الأرواح التي أزهقتها ستُنسى؟ كم من عالم قتلته، وكم من مجاهد غدرته، وكم من بريء دفنته تحت تراب الظلم والقهر؟
الطغاة، مهما امتلكوا من جبروت، يظنون أن القوة هي حصنهم الحصين، وأن السلاح وحده يكفي لحمايتهم من عدالة السماء. لكن التاريخ يُثبت العكس، فما من طاغية استباح دماء الأبرياء إلا وانتهى به الحال بين مطرقة الانتقام وسندان العذاب النفسي قبل الجسدي.
انظر إلى مصير من سبقوك، من الحجّاج إلى الأمين العباسي، ومن الحاكم بأمر الله إلى جنكيز خان، ومن نيرون إلى هتلر، ومن المقبور صدام حسين إلى الظالم القذافي وغيرهم من حكام العرب، كلهم ظنوا أن قبضتهم الحديدية ستدوم، لكنهم لم يدركوا أن لكل جريمة ساعة حساب، وأن صوت الضحية قد يكون أضعف من صوت السياف، لكنه أبقى منه وأعمق أثرًا.
لقد ظننتَ، كما ظنّ غيرك من الطغاة، أن السلطة تدوم، وأن السلاح يحمي، وأن القمع يسكت الأصوات، لكنك نسيتَ أن الخوف الذي تزرعه في قلوب الناس اليوم، سيكبر مثل بذور الحنظل، ويصبح لعنة تطاردك حيثما حللت.
تاريخ الأمة مليء بالطغاة الذين تاجروا بالشعارات، وقتلوا الأبرياء باسم الدين، لكنهم في النهاية لم يجدوا إلا مصيرًا محتومًا، ونهاية مرعبة، لم تخلُ من مذلة وخزي. قد تهرب من سيف العدالة، لكنك لن تهرب من القصاص الذي يكتبه التاريخ بدماء المظلومين.
هل تظن أن السجون التي ملأتها، والدماء التي أريقتها، والوجوه التي غيّبتها في الظلام، ستُنسى؟ هل تظن أن الأمهات اللواتي بكين على أولادهن، والأطفال الذين صاروا أيتامًا، والأبرياء الذين فُقدوا في سراديب الرعب، سيمحون لك ما صنعت؟
إن كنت في شك، فاسأل الحجّاج كيف تحوّل من سيدٍ إلى عبد، ومن قاتل إلى مطارد بكوابيس ضحاياه، واسأل الطغاة الذين سبقوك كيف كان آخر يوم لهم، واسأل التاريخ عن نهايات الطغاة، ستجد أنهم جميعًا نطقوا بكلمة واحدة قبل أن يسقطوا في هاوية النسيان:
“مالي ولسعيد بن جبير؟ كلما أردت النوم أخذ برجلي!”
ولا شك أنك ستقولها يومًا، حين يتخلى عنك من صفقوا لك، وحين تجد نفسك وحدك، بلا سلطة ولا سلاح، لكن بعد فوات الأوان.