د. عامر الطائي ||
لطالما شغلت مسألة الأخلاق حيّزاً مركزيّاً في الفهم الديني، غير أنّها تغدو أكثر إلحاحاً حينما نتحدّث عن المهن التي تمسّ صميم الإنسان وكرامته، كحقل الطب، هذا المجال الذي يتعامل مع الإنسان في لحظات ضعفه الجسدي والنفسي، وفي مواضع انكشافه الوجودي. إنّ مهنةً كهذه، لا يمكن أن تُفهم خارج سياقها الأخلاقي، ولا يصحّ أن تُمارس بمعزل عن رؤى قيمية راسخة.
من منظور مدرسة أهل البيت عليهم السلام، لا يُفصل بين العمل والمعنى، ولا بين المهنة والنيّة، بل يُنظر إلى الطب ـ كما سائر المهن ـ بوصفه ساحةً من ساحات العبوديّة لله، ومجالاً لتحقيق القيم الإلهية في الحياة الإنسانية. فالمهارة الطبيّة إذا لم تسندها نيّة صالحة، ومسؤوليّة شرعيّة، فإنّها قد تتحوّل إلى سلاح مدمّر، أو إلى أداة للسلطة أو الاستغلال.
في الرؤية التوحيديّة التي تؤكّد عليها نصوص أهل البيت، لا تُختزل الأخلاق في الوصايا العامّة، بل تُعدّ شرطاً في أهلية الإنسان لتولّي المهام والمسؤوليّات، ومنها مهنة الطب. فكما لا يُؤمن الشخص على أموال الناس إن لم يكن أميناً، كذلك لا يُؤمن على أرواحهم وأجسادهم من لا يملك بوصلة أخلاقيّة واضحة.
ومن هنا، فإنّ إدراج الأخلاق الطبية في صميم التكوين الأكاديمي والعملي، ليس ترفاً بل ضرورة.
إنّ الطبيب في مدرسة أهل البيت يُنتظر منه أن يكون «رحيماً»، «أميناً»، و«نقياً» في قلبه وسلوكه، لأنّ التطبّب ليس بيعاً وشراءً، بل أداءُ أمانة. وقد ورد في المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ الله يحبّ معالي الأمور ويكره سفسافها»