عمار محمد طيب العراقي ||
الفكر والتَّفكير، والتَّفكُّر والتَّدبُّر، ويتبعها التَّذكُّر والإستظهار والبناء، هي جملة من المواقف التي ترافق الوجود الإنساني، بعنوانه الإسلامي، وهي أطروحة لن تفارق المرء فردا أو جمعا، دون أن تؤشر مقاماتها العليا، ومراتبها ومكتنزاتها الموضوعية، باذلة إشاراتها المستمرة بلا توقف، مشيرة الى دلالاتها المنهجية في الحياة الإنسانية، كمعطى نابض بحب وطاعة الله تعالى.
مغارة التفكير الممنهج؛ لجموع تحترف القتال، كوسيلة دفاع مشرفة شريفة، ضد قوى “المخاطر المحدقة”، كالحشد الشعبي بمثاباته الدلالية العليا، تضعنا في صلب الموضوع برمته، وتأخذنا الى مفاهيمه ومستوياته، وخرائط جعرافية عقله.
سيأخذنا هذا الموضوع برحلة ممتعة في الفكر المعتنق؛ وفي مصادر التفكير الرصينة، وفي الأصول الفكرية، وفي جولة موجهة من التراث الى الخبرة المعاصرة، وسنمر بلا وحشة، بموضوعات وأدوات وإستحظارات القتال الشريف، وسنبحث مترفين بنصيبنا ونصيب من نؤشرهم منه، ثم ندخل متهيبين الى المؤسسات المتخصصة فيه، وعلاقتها بالصناعة الفكرية والعلمية، وبمثاباته اليومية الشاغلة؛ للتوجهات البنائية الفاعلة المنتجة.
تلك هي حكاية الفكر والتفكير في الحشد الشعبي، مؤسسة وأفراد وبناءات ومبان معمارية، وصناعة فكرية متأصلة، وأصيلة في آن واحد.
حكاية التفكير في الحشد الشعبي، نبدأها بعملية البناء الفكري؛ من أين إبتدأنا؟ ثم نتواصل معه منسقين خطواتنات، مرتقين بتحفز مثابر؛ مرتقين الى مستويات أعلى، متواصلين بجهد جهادي في مساراتها العالية، ونرتقي من مستوى إلى آخر، منوعين المثابات بلا تعب فكري، لأننا نفكر بالنضوج المبهر.
قيمةُ التَّفكر لدى “الحشداوي” المعتنق لنظرية “درء المخاطر المحدقة”، تكمن في إثارة الأسئلة، أسألة تحوم أجاباتها حول المعتقد الإسلامي العميق، مع تلافيف من إجابات متنوعة، بتنوع تفاصيل المعتقد، وبإسرافها الكبير بالتفاصيل، وبإجاباتها المملة حتى عن تفاصيل عارضة مؤقتة، وعبر كل هذا تتغير وتتعمق مع مزيد من الفكْر والذِّكْر، والتَّفكُّر والتَّذكُّر.
رحلة الحشد الشعبي الفكرية تمتد الى أوائل التشكيل الإسلامي، أي الى اللحظة التي قال الذين سبقونا أول مرة أشهد أن لا أله إلا الله، وصارت لنا ولملايين المسلمين فكرة ومنهجا، وكنا خلال هذا الزمن الممتد، نحاول الإجابة عن أسئلة البناء، وعن من أين نبدأ وكيف، وما الحصيلة، وماذا نريد من عملية البناء الفكري؟
لكن السؤال الأكبر هو هل هنالك مرحلة بناء وسطية، أم أنها مراحل مستمرة للبناء والتفكر، تقودنا الى نهاية التفكير، هذا اذا كانت له نهايات طبعا، لكن السؤال الأهم والمستمر، هو لماذا نحن في هذا البنيان الكبير, وماذا في عقول رجالات الحشد الشعبي..!
منهج التفكير في ، أو لدى معتنقي الحشد الشعبي، لها دور كبير وأساس في عملية البناء الفكري، فهي التي ترسم الطريق وتجعل منه واضحا مستقيما، ويجعل المقاتل يسلكه بسهولة ويسر، متى ما أراد، وسعى سعيه في هذا السبيل.
البناء الفكري ومنهج التفكير، عملية متراصة تكسبه صفة البناء الممنهج، ومن دون هذه المنهج، لا يكتسب البناء صفاته، وهنا ستظهر الفوارق واضحة؛ بين تنظيمين متعارضين من البناء الفكري.. بين النمط المنهجي، والنمط الموصوف بأنه غير المنهجي.
نحن نتثقف ونتربى بمنهج أهل البيت عليهم السلام، بكل تفاصيله وإسقاطاته ومراميه وأبعاده وتأثيراته، وهو ليس أفضل المناهج فقط، وهذا متحقق دوما، ولكن لأن غيره من المناهج، فشلت في تكوين أصول فكرية يعتد بها.
منهج تفكيرنا يجيبنا عن سؤال: ما هي البدايات الصالحة، وماذا نبغيه من عملية البناء الفكري؟
وهو سؤال ابتدائي دائم، يضعنا في ما قبل نهاية مرحلة الوسيط في البناء الفكري لأبناء الحشد الشعبي.
أثناء تجوالنا الفكري، سنكون أحيانا بنوع من الحيرة لبعض الوقت، ونكون إزاء مفترق طرق، يصعب عليه اختيار جادة الصواب، لكن ثباتنا العقيدي سيقودنا بلا شك، الى الطريق المستقيم في عملية بناء الفكر لرجالنا.
منهجية التفكير، ستبلور الرؤية وترسم الطريق، وتكشف أن البناء الفكري عملية طويلة لذيذة، باذخة زمنا وأفرادا وتوقيتات، تمتد معنا طيلة وجودنا، وزمن واجبنا التدريبي والإعدادي والقتالي..زمن صناعتنا، وهي عملية بطيئة لا تظهر ثمارها سريعا وعاجلا، لكنها ستكون قوية فاعلة متراصة واضحة المعالم.
إن رؤيتنا لمنهج التفكير في عملية البناء الفكري، وفي طريقة اكتساب المعارف والعلوم، هي رؤية لا تولد فجأة، لكن لا تظل كما هي جامدة، من دون تغير أو تحريك، وإنما تظل في حالة تغير وتجدد؛ وتراكم دائم ومستمر..إنها الرؤية البناءة لعقل الحشد الشعبي المتفكر.
عمارة تفكير المنهج لمجاهدي الحشد الشعبي تراها باسقة بإشتراطات واضحة:
بادئا: أن البناء الفكري واكتساب التوصيفات المعرفية، ومهارات الإستنتاج والفهم، هي مهمة لها بداية ولكنها بلا نهاية، وهي محكومة بمنارة طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
التالية: أنها مهمة محددة ومركزة ومنتجة، وهي لسان التفكير والإستنتاج والبناءات الفكرية العقائدية، وهي بحاجة الى جهد وجد ومثابرة.
الثالثة: أن البناء الفكري لن يصل الى مراتب عالية ومتقدمة، لإن بعد القراءة والمتابعة والتدبر وبناء الذات فكريا، وصناعة أنموذج ثقافي “حشدي” متكامل، يفهم أمس واليوم وما سيحصل غدا، بوعي وألتزام وتفهم ومثابرة.. إنه صناعة العقل للأنسان الكامل، بنموذج ألهي من نماذج اهل البيت عليهم السلام، والمال هنا سيكون أداة، بخدمة العقل ومن أدوات تنميته وتطويره.
في فهمنا الرابع نجد أن بناء الفكر؛ هو عملية منكاملة بكل جوانبها، وهي أخذ وعطاء، ومن حسن أخذه حسن عطاؤه.
خاتمتها تحكي لنا حكاية المراتب المتقدمة، ورواية “الحشدي” الكامل، الذي يمثل المثقف الكامل، وهي نعمة ثقافة الوعي والتوعية، وبناء النفس وما حولها ومساراتها، وصناعة قصة أن الحشدي هو مسلم مثقف، أو مثقف مسلم، بعنوان عطاء النفس ذاتا وكينونة وإنتماءا وألهاما ووجودا..
إنها فئة النصر والشهادة بعنوانها العريض المتكامل .