جليل هاشم البكاء ||
في زمن اختلطت فيه المفاهيم، وصار الاستسلام يُسمى سلاماً، والخضوع يُروّج له كواقعية سياسية، يبرز محور المقاومة المقدسة كحالة فريدة في هذا الشرق المنكوب. هذا المحور ليس جماعة حرب، بل جماعة كرامة، لا يسعون للخراب كما يصورهم أعداؤهم، بل يسعون للسلام الحقيقي القائم على العزة والحرية لا على الانبطاح والإذلال.
إن من يحمل السلاح في هذا المحور لا يحمله للدمار، بل للحماية، حماية الأرض والناس، حماية الحلم الذي يريد لأبنائنا أن يعيشوا أحراراً لا عبيداً. هم قوم آمنوا بأن الحياة بلا كرامة موت مؤجل، موت لا يُقبر فيه الميت، لأنه لا يملك حتى شرف الوداع، وليس له صفات الحي، لأنه سُلب منه معنى الوجود.
ولذلك، لا يمكن أن يُختزل النقاش في مسألة الاستقرار والازدهار في معادلة تقليدية تقول إن السلاح يجب أن يكون حصراً بيد الدولة. بل إن التجربة أثبتت أن وجود السلاح بيد المؤسسات لا يكفي ما لم تكن هذه المؤسسات نفسها ملتزمة بخيار الكرامة والسيادة. فالاستقرار ليس نصاً قانونياً يُفرض، بل واقع يُبنى على الصدق والإخلاص في الانتماء.
لقد رأينا كيف تخلت بعض الدول عن سلاحها فاستُبيحت سيادتها، وتحولت جيوشها إلى أدوات لحماية الطغيان أو خدمة الأجنبي. بينما ثبت أن السلاح الذي يُرفع في وجه العدو، دفاعاً عن الأرض والناس، هو الذي يمنح للدولة معنى، وللجيش شرفاً، وللوطن حصانة.
ليست المشكلة في من يحمل السلاح، بل في نواياه. فالسلاح يجب أن يكون بيد من يؤمن بالكرامة وقيمتها، لا بيد من يسعى لتقاسم الكعكة مع المحتل، أو من يرى في الوطن مجرد اسم يتغنى به وهو يعمل لمشاريع غير وطنية. فحتى العدو يتكلم اليوم باسم الوطن، لأنه يعتبر الوطن ساحة نفوذه، وشعبه أدوات لخدمة مشروعه. لذلك فليس كل من نطق باسم الوطن يعنيه حقاً، بل قد يكون العدو ذاته من يرفع شعاراته كذريعة للهيمنة.
إن محور المقاومة لم يختر الحرب، بل فرضت عليه. ولم يحمل السلاح حباً بالمواجهة، بل رفضاً للذل. فالسلاح الذي يصون الكرامة لا يجب نزعه، بل دعمه وتعزيزه. ومن يريد السلام بحق، فليبدأ باحترام من يملك شجاعة الدفاع عن الأرض، لا بطعنه في الظهر باسم شعارات تُردد على ألسن قبضت الثمن وباعت القرار.
فالكرامة هي مفتاح الحياة، والسلاح الذي يصونها ليس تهديداً للوطن، بل عماد حمايته الحقيقية.