أسامة القاضي ||
“القضية الفلسطينية قضية شريرة.. النهاية الوحيدة للصراع في غزة هي الاستسلام التام والكامل لمن يدعمون الإرهاب الإسلامي.. في الحرب العالمية الثانية، لم نتفاوض على الاستسلام مع النازيين، ولم نتفاوض على الاستسلام مع اليابانيين، قصفنا اليابانيين مرتين بالسلاح النووي للحصول على استسلام غير مشروط… يجب أن يكون الأمر نفسه هنا (غزة)”. هذا الكلام هو للنائب الجمهوري الأمريكي راندي فاين.
هذا الكلام السادي والمريض لا يمكن أن يصدر عن إنسان سوي، فالمتحدث لم يرتوِ ظمؤه للدم بعد، رغم أن الصهاينة قتلوا خلال 19 شهرًا أكثر من 60 ألف فلسطيني، أغلبهم من الأطفال والنساء، ومزقوا أجساد وبتروا أطراف عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وجلّهم من الأطفال والنساء، ومسحوا بالأرض أكثر من 80 بالمائة من غزة، لذلك يدعو إلى إلقاء قنبلة نووية على ما تبقّى من غزة، التي لا تتجاوز مساحتها سوى 360 كيلومترًا مربعًا.
هذا النائب الأمريكي اليهودي، الذي يفتخر علنًا بأنه صهيوني، بدلًا من أن يدافع عن الأمريكيين الذين انتخبوه، نراه يصف النائبة الأمريكية رشيدة طليب بأنها “إرهابية مسلمة”، لمجرد أن الأخيرة سلّطت الضوء في منشور لها على ظروف المجاعة الواسعة النطاق الناجمة عن حصار الكيان الإسرائيلي. واللافت أن حديث فاين هذا جاء بعد أن “احتفل” بقتل الكيان الإسرائيلي للناشطة الأمريكية آيشنور إيجي في الضفة الغربية المحتلة في سبتمبر/أيلول الماضي، وكتب فاين: “إرهابي مسلم واحد أقل. أطلِق النار!”، رغم أن الضحية مواطنة أمريكية.
مثل هذه النماذج، التي من المفترض أنهم نواب للشعب في الكونغرس الأمريكي، كثيرة في أمريكا، ومنهم من دعا قبل فاين هذا إلى قصف غزة بالنووي، مثل النائب تيم والبيرغ، والسيناتور الجمهوري ليندسي. وقبل هؤلاء جميعًا، دعا وزير “التراث الإسرائيلي” عميحاي إلياهو أكثر من مرة إلى استخدام السلاح النووي ضد غزة. وهي دعوات تؤكد أن الداعين ليسوا سوى وحوش بشرية، تضع نفسها فوق القانون والإنسانية، وتطالب بإبادة مليوني إنسان، لأنها ترى نفسها حقًّا مطلقًا.
أَلا يحق للآخرين، عندما يرون كيف يفكر “نواب الشعب الأمريكي” بهذه الطريقة الشيطانية، ويطالبون علنًا باستخدام السلاح النووي ضد شعب أعزل محاصر، لمجرد أن هذا الشعب يدافع عن نفسه ضد المحتل، ألا يحق لهم أن يعملوا على امتلاك سلاح نووي، لمواجهة هذه الوحوش البشرية التي تسعى إلى فنائهم؟
الغريب أن هؤلاء الأشخاص الذين يطالبون بفناء غزة وقتل أكثر من مليوني إنسان، لا يتعرضون لأي مساءلة قانونية، لا في أمريكا ولا خارجها، وكأنهم يتحدثون عن مواضيع عادية. الأمر الذي يؤكد أن العالم يعيش بمنطق الغاب، وأن القوة هي الحق.
رغم أن هذه التهديدات والتصريحات الشاذة مدانة بكل ما للكلمة من معنى، إلا أنها في الوقت نفسه لا تعكس أي قوة، بل تكشف عن ضعف صريح، بل عن شعور بالهزيمة أيضًا. فلماذا يطالب نواب “أكبر قوة في العالم”، وكذلك ممثلو “الجيش الذي لا يُقهر”، بقصف غزة بالسلاح النووي، بعد نحو عامين من استخدام أحدث ما في مستودعات أمريكا من أسلحة، وإبادة أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح – معظمهم أطفال ونساء – وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين؟ أَلا يُعَدّ هذا اعترافًا صريحًا من قبلهم بالهزيمة أمام الصمود الأسطوري لغزة وأهلها ومقاوميها؟