حسن درباش العامري ||
عاشت إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي كدولة علمانية منفتحة، تعتمد نموذجاً غربياً في الحكم والحياة الاجتماعية.
كان المجتمع الإيراني آنذاك يتحرك في فضاء واسع من الحريات الشخصية، متأثراً بالثقافة الأوروبية والنهج الأمريكي، إلى أن جاءت ثورة الإمام الخميني عام 1979، التي غيّرت مسار البلاد بالكامل.
تحولت إيران إلى اول جمهورية اسلامية في العالم الحديث و أول دولة حديثة تعتمد نظام ولاية الفقيه، حيث لا يكفي للرئيس أن يُنتخب شعبياً، بل يجب أن يخضع لموافقة عدة هيئات دينية وسياسية (مجلس صيانة الدستور وتشخيص مصلحة النظام وغيره)، بما يضمن توافق المرشح مع ثوابت الدين والمذهب الشيعي الاثني عشري الذي تتبناه الدولة.
هذا التحول العميق في هوية إيران لم يكن شأناً داخلياً فحسب، بل انعكس بقوة على علاقاتها الدولية: فأصبحت إيران رغم سلميتها في سياساتها الخارجية المعتدلة تجد مؤشرات العداء الخارجي ولا تجد اسبابة ولم يقتصر ذلك العداء على الدول العربية والإسلامية فقط بل تعدى ذلك لتكون امريكا واسرائيل في مقدمة الدول المعادية !
ساءت علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ اللحظات الأولى للثورة. بسبب كون الشاه هو الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وثانيا بسبب الدفع من الدول العربية والخليجية خاصة لأنها كانت تخشى تمدد الجمهورية الإسلامية في المنطقة أو انتشار فكر الثورة بما يسمى بتصدير الثورة،
توترت علاقتها مع دول الخليج العربي ومعظم الدول العربية السنية. وكانت الدول السلفية اعدى أعداء ما تحمله الثورة الإسلامية في إيران من إيمانها بنهج ال بيت والائمة الإثني عشر ، إذ بدا أن تمسك إيران بالمذهب الشيعي وتحوله إلى هوية سياسية ودعوية للدولة، أيقظ حساسيات مذهبية قديمة كامنة في العالم الإسلامي.
العداء المذهبي: سؤال مؤلم
رغم أن جوهر الإسلام ولبّه قد وصلنا عبر آل بيت النبي ﷺ — من علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم — بكل أمانة وصفاء، إلا أن الواقع السياسي والاجتماعي اليوم يعج بعداء شديد تجاه أتباع هذا الخط.
ما يدعو للأسف أن هذا العداء يتفاوت بين المدارس السنية، ولكنه يجد أشد صوره في الفكر الوهابي السلفي واتباع بني أمية ، الذي شيطن لقرون طويلة كل ما يتصل بآل البيت وشيعتهم، تحت ذرائع شتى.وهي امتداد لعداء معاوية بن أبي سفيان لعلي بن ابي طالب عليه السلام ،حينما أمر بسب علي وشيعتة من على المنابر لسبعين عاما حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز فاوقف ذلك..
ولم يكن العراق بمعزل عن هذه الحالة:
عرف الشيعة فيه فترات من الإقصاء والتهميش. والقتل والاستهداف واخرها ما حصل في ما يسمى بمجزرة سبايكر حينما تم نحر آلاف الشباب الشيعي في اكبر مجزرة للمسلمين في العصر الحديث..
ثم، في العقود الأخيرة، تعرضوا لموجات قتل واستهداف وحملات إبادة منظمة وهذا ما حصل للتلوين في الساحل السوري حينما قتلت عوائل كاملة وهم صائمون في شهر رمضان و بحقد طائفي اعمى ، كثيراً ما جاءت بدعم من قوى خارجية — أغلبها اسلامي وبعضها غير إسلامي — مستغلة التوتر المذهبي لتحقيق مصالح سياسية.
لماذا كل هذا العداء؟
الجواب معقّد، لكن يمكن تلخيصه في نقاط:
الصراع على الشرعية:
منذ اللحظات الأولى بعد وفاة الرسول ﷺ، نشب خلاف حول أحقية قيادة الأمة.
التيار الذي التف حول علي بن أبي طالب وذريته والذي تمسك بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حينما قال (من كنت مولاه فهذا علي مولاه )حمل رؤية مختلفة عن التيار الغالب الذي بائع الخليفة الاول في واقعة السقيفة. هذا الصراع القديم لا يزال يلقي بظلاله.
الاستغلال السياسي:
القوى الكبرى، ودول إقليمية، تجد في الفتنة المذهبية وسيلة فعّالة لضرب وحدة المسلمين.
لذلك تُغذى هذه النزاعات بشكل مقصود. وكذلك بسبب ما تحفظة وما تعتقده بعض الديانات غير الإسلامية عن الإسلام وعن الشيعة بشكل خاص
الخطاب التكفيري:
بعض الحركات السلفية، خاصة الوهابية، أنتجت خطاباً متطرفاً يُكفّر الشيعة ويُحرّض على قتلهم، رغم أن ذلك يتنافى مع تعاليم الإسلام. بل أنها تعتبر الشيعة عدو مشترك لها مع اليهود !!!
خوف من القوة الرمزية:
حب آل البيت يحمل قوة روحية ومعنوية هائلة. الأنظمة التي تخشى خطاب العدل والحق والتضحية الذي يجسده آل البيت، تسعى إلى تشويههم وتشويه أتباعهم.
كلمة أخيرة
ما يحتاجه المسلمون اليوم هو تجاوز هذه القوقعة المذهبية المدمّرة.
الاعتراف بفضل آل بيت النبي ﷺ، والاحترام المتبادل بين المذاهب، هو السبيل الوحيد لاستعادة الروح الأصيلة للإسلام.
العداء للشيعة ليس عداءً لخط سياسي فحسب، بل هو عداء لتاريخ الإسلام النقي الصافي الذي حفظه آل البيت عليهم السلام.
ومن المؤلم أن كثيراً من هذا العداء يُغذّى اليوم ليس لأسباب دينية، بل لخدمة مشاريع سياسية كبرى لا علاقة لها بمصلحة الأمة.