زمزم العمران ||
قال تعالى في كتابه الكريم : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).
يصادف السابع من ذي الحجّة ذكرى أليمة على قلوب عشاق اهل بيت النبوة والرسالة سلام الله عليهم ألا وهي ذكرى شهادة الامام محمد بن علي الباقر عليه السَّلام، وبهذه المناسبة نتناول جزءا يسيرا جدا من سيرة هذا الامام الهمام (سلام الله عليه ) ،هو الإمام الخامس محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب باقر علم النبيّ، هو الإمام المشهور بباقر العلوم ، وقد شهد واقعة كربلاء وهو صغير، كما أنه يعتبر المؤسس للثورة العلمية الشيعية الكبرى التي بلغت ذروتها في زمن نجله الإمام الصادق (عليه السلام).
عاش الإمام عليه السلام سبعاً وخمسين سنة، وكانت إمامته عليه السلام بعد وفاة أبيه تسع عشرة سنة وشهرين. وقد شهد عليه السلام في بداية حياته الشريفة واقعة الطف وكان له من العمر سنتان، وعاش المحنة التي مرت على أهل البيت في طفولته ورافق الرزايا والمصائب التي توالت على أبيه زين العابدين عليه السلام وبعد أبيه ما يقرب العشرين سنة من حكام الجور الأموي في ذلك العصر وهم: الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد الملك.
روي عنه (عليه السلام) روايات كثيرة في مجالات شتي كالفقه، والتوحيد، والسنة النبوية، والقرآن، والأخلاق، كما بدأت المعتقدات الشيعية تتبلور في فترة إمامته وذلك في مختلف الفروع كالفقه والكلام، والتفسير ،واعترف علماء أهل السنة بفقه الإمام الباقر (عليه السلام)، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علَمه وأنّه عمّر أوقاته بطاعة الله وكان يحظى بمراتب عالية في مقامات العارفين.
لما استشهد الإمام زين العابدين كفل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخوه الإمام محمد الباقر (عليه السلام) مستمد ملامحه الشخصية من أبيه الامام السجاد (عليه السلام) فسار على خطه الرسالي المحمدي معترفاً بإمامة أخيه محمد الباقر (عليه السلام) ،ومن أبرز الثورات التي قامت بعد ثورة الإمام الحسين (ع) هي ثورة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) التي نسفت حواجز الخوف في نفوس الأمة وجعلتهم على مستوى من الوعي السياسي والفكري والجهادي,
فالأوضاع السياسية التي سبقت الثورة كانت كلها تشير أو تنذر باندلاع ثورة عظيمة ضد السلطة الأموية التي مارست أشد الممارسات القمعية ضد المسلمين وشنت الحملات الإرهابية ضدهم فضلا عن تفشي الظلم والفساد في المجتمع الإسلامي وإعلان الأمويين الكفر الصريح بالإسلام ومحاربتهم الخط الرسالي الصحيح المتمثل بأهل البيت (ع) حتى وصل الأمر أن دخل زيد بن علي على هشام بن عبد الملك فسمع زيد رجلاً من جلساء هشام وهو يسبّ النبي (ص) فنهره زيد. فقال هشام: مهلا يا زيد لا تؤذي جليسنا !
الشيء المحقق ان زيدا لم يفجر ثورته الكبرى أشرا ولا بطرا ، ولا ظالما ، ولا مفسدا ، وإنما كان يبغي وجه الله ، ويلتمس الدار الآخرة ، فقد رأى ظلما شائعا ، وجورا شاملا ، ورأى حكام بني أمية لم يبقوا لله حرمة إلا انتهكوها ، فخرج داعيا الى الله ، وطالبا بالحق.
للإمام الباقر عليه السلام دور كبير في إحياء الروح الثورية الحسينية، وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله عزوجل ورسوله (ص) ضد الحكام الظالمين، حيث جعل الثورة الحسينية حية في نفوس الناس تمنحهم طاقة ثورية لخوض المواجهة مع الظلم والظالمين في كل الظروف والمناسبات وقتها وظروفها المناسب عبر تأكيده على إحياء الشعائر الحسينية عبر أقامة مجالس العزاء والدعوة لزيارة قبر الامام الحسين (ع) وأصحابه الميامين (ع) وإنشاء الشعر والمراثي يصور الفاجعة الدموية المؤلمة التي دارت يوم عاشوراء عام 61 للهجرة .
كان للأمام الباقر عليه السلام اثراً كبيراً في وضع الحلول للازمة الاقتصادية وتحرير الاقتصاد الدولة الاسلامية من التبعية الاجنبية، حيث اشار على السلطة الحاكمة تعريب النقد الإسلامي وفك التعامل بالعملات الأجنبية،
وهذا مما يضيف للدولة هيبة وسطوة واستقراراً اقتصادياً أكثر ، فقد قام الإمام الباقر (عليه السلام) بأسمى خدمة للعالم الإسلامي، فقد حرر النقد من التبعية إلى الإمبراطورية الرومية،حيث كان النقد يصنع في بلاد الروم ويحمل شعارهم. فجعله الإمام (عليه السلام) مستقلاً بنفسه يحمل الشعار الإسلامي،وكتب إلى عامله على مصر عبد العزيز بن مروان بإبطال ذلك وأن يحمل المطرزين للثياب والقراطيس وغيرها على أن يطرزها بشعار التوحيد، ويكتبوا عليها: (شهد الله أنه لا إله إلا هو). وكتب إلى عماله في الآفاق بإبطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم، ومعاقبة من وجد عنده شيئاً بعد هذا النهي، وقام المطرزون بكتابة ذلك، فانتشرت في الآفاق، وحملت إلى الروم.
نستنتج من ذلك بالرغم مما عاناه الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) من الظلم والاضطهاد والقتل والتنكيل على يد الأمويين ، نجدهم لا يتأخرون في أوقات الشدائد من الإقدام وإبداء النصح والإرشاد والتوجيه لهؤلاء الحكام لما فيه خير مصلحة الأمة الاسلامية، وهذا ان دل على شيء إنما يدل على حرص الأئمة (عليهم السلام) على الإسلام والعمل على تدعيم أركانه، واستطاع الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) بعمله هذا يكون قد أسدى خدمة جليلة للأمة الاسلامية فأسهم في تدعيم اقتصاد البلاد مما يساعد على رفاهية المجتمع ويساعد كذلك على حرية اتخاذ القرارات ومنها السياسية.