جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

 


■ الشيخ محمد الربيعي ||


لقد تعرَّضَت بلاد المسلمين منذ قديم الأيام إلى غَزَواتٍ من أعدائهم.. تارةً لأجل إطفاء نور الحقّ والإسلام.. وأخرى لأجل الاستيلاء على خَيراتها ومُقَدَّراتها..

ولا زالت بعضُ بلاد المسلمين اليومَ ترزَخُ تحت حكم أعدائهم.. مِن يَهودٍ أو نصارى أو غيرهم..

ولقد صار التخاذُلُ والخنوعُ سِمَةَ كثيرٍ من المسلمين في عَصرِنَا.. كما كان منذ زمن أمير المؤمنين عليه السلام.. فكان كُلَّما دعا أصحابَه إلى القتال تَوَاكَلُوا وتَخَاذَلوا.. حتى قال لهم: يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ! حُلُومُ الْأَطْفَالِ! وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ!

لقد تقاعَسَ هؤلاء عن الجهاد الذي جعله الله باباً من أبواب الجنة.. وفَتَحَه لخاصَّة أوليائه.. وألبس من تَرَكَهُ ثوبَ الذُلِّ!

محل الشاهد :

الجهاد في اللغة مأخوذ إما من الجُهد (بالضم)وهو الوسع والطاقة، ومعناه أن يبذل المجاهد ما لديه من الطاقة والوسع ويصرفها في سبيل الله تعالى.

وإما من الجَهد (بالفتح)وهو التعب والمشقة، ومعناه أن يكابد المجاهد الأمور الشاقة في سبيل الله تعالى، فهو كل عمل مصحوب بمشقة وعناء.

والمعنى الشرعي للجهاد ينصرف إلى قتال الظالمين والمنحرفين عن الحق، ويهدف إلى إقامة العدل وحفظ شعائر الدين والإيمان، ومن شؤون ذلك الدفاع عن بلاد الإسلام والتصدي لكل عدوان يرد عليها.

الإسلام دين واقعي، ينطلق من الفطرة الإنسانية في معالجة القضايا الفردية والإجتماعية، ويتعامل مع قضايا المجتمع البشري على أساس السير العقلائي الذي يوجّه تصرفاتهم ومسالكهم.

وعلى هذا الأساس فقد أولى الإسلام أهمية خاصة للجهاد بسبب ما يتوفر عليه من دعامة قوية وركيزة هامة للدين ، وأشارت الكثير من النصوص الشرعية إلى فضله وأهميته، وخلاصة ما يمكن أن يستفاد منها أن الجهاد هو:

●عماد الدين‏عن أمير المؤمنين‏ عليه السلام:”الجهاد عماد الدين، ومنهاج السعداء”.

●قمة الإسلام‏ عن الصادق ‏عليه السلام:”أصل الإسلام الصلاة، وفرعه الزكاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللّه”.

●ركن الإيمان‏عن أمير المؤمنين عليه السلام:”للإيمان أربعة أركان: الصبر واليقين والعدل والجهاد”.

●أشرف الأعمال وهو قوام الدين‏

عن أمير المؤمنين ‏عليه السلام:”إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين”.

محل الشاهد :

نقول لكلّ شبابنا في كلّ الأمّة الإسلاميّة: خذوا بكلّ أسباب العلم، فقد يكون واجباً أن ترتقوا في درجات العلم، لأنّ الصراع الآن ليس صراع البندقيّة فقط، بل حتى صراع البندقيّة والمدفع والصاروخ وغيرها من الأسلحة يحتاج إلى علم، وإذا لم يكن لديك علم،

فإنّك لا تستطيع أن تطوّر هذه الأسلحة، فضلاً عن أن تنتجها، فنحن نحتاج إلى أمّة تنتج سلاحها، وإلى أمّة تنتج غذاءها، وإلى أمّة تنتج ما يلبّي حاجاتها، حتى تستطيع أن تكون الأمّة التي يحتاجها الآخرون ولا تحتاج الآخرين في القضايا الحيويّة. وبطبيعة الحال،

فإننا لا يمكن أن لا نحتاج إلى أحد، لكن في الأمور الحيويّة، علينا أن نعمل وفقاً لسياسة الاكتفاء الذاتي والثقافي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي.

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}. وبعد هذا وذاك، فإن المؤمن لا يعيش الانعزال عن الواقع وعن كفر الواقع واستكباره، وعن ظلم الواقع وانحرافه، وعن آلامه وأحلامه، فأن تكون مؤمناً، يساوي أن تكون مجاهداً بكلّ طاقاتك {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ}[الحجرات: 15]، فإذا كنت مؤمناً، وأعطاك الله مالاً، وكانت الساحة تحتاج إلى مالك، فأعطِ الساحة من مالك، فذلك هو جهادك من مالك، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، لأنّ مالك الذي أعطاك الله ليس ملكك، إنما هو أمانة الله عندك، فأنت ـ في واقع الأمر ـ وكيل الله في المال {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد: 7]، أي وكلاء فيه، حيث حدّد الله لكم كيف تحركونه لتنفقوه على أنفسكم وأهلكم، ثم على من أراد لكم أن تنفقوه عليه أو فيه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النّور: 33]، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24- 25].

{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ}.

والجهاد ـ عندما تكون مؤمناً ـ هو أن تجاهد بنفسك، والجهاد بالنفس يتنوّع، وهو في عنوانه الشّامل، أن تعطي من نفسك في سبيل الله، فمن الجهاد بالنفس، أن تعطي الأمّة عقلك وكل ما ينتجه عقلك، فهو جهاد النفس، لأنّ العقل يقف في القمّة من خصائص النفس، فلذلك، لا يجوز للعالم في أيّ موقع من مواقع العلم، ولا سيّما علم الإسلام، أن يكتم علمه، بل يجب عليه أن يبذله:

“ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلَّموا، حتى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا”. ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159].

محل الشاهد :

وفي كثير من الحالات يكون الجهاد في سبيل الله للدفاع عن المستضعفين والمظلومين الذي لا حول لهم ولا قوة، أما سلطةِ الطاغوت والطمع، التي تريد أن تستغلَّهم وتستغلَّ خيراتِهم، ولولا الجهاد والقوة الرادعة، لَفَسَدت الأرض، وأهلك القوي الضعيف ، وفي ذلك

يقول الله عز وجل: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ .

من هنا نرى، أنَّ الجهاد في الإسلام نعمة ٌعظيمة، وإن كان القتالُ عند الآخرين، شؤماً ونقمةٌ على البشرية.‏

وانطلاقاً من هنا، كان للإسلام أحكام عديدةٌ تتعلق بالجهاد وجوباً أو استحباباً، فرضاً أو نفلاً، أدباً أو سنة. فقد أشار قدوةُ المجاهدين، الرسول المصطفى (ص) إلى أهمية الجهاد العسكري وضرورته، حتى أنَّه(ص) اعتبر أنَّ العالم ونظامَ البشر، والراحة والأمن والخير، لا تكون إلا بالسيف وبركته، فقال(ص): ” الخير كله في السيف، وتحت ظل السيف، ولا يُقيمُ الناس إلا بالسيف، والسيوف مقاليد الجنةِ والنارِ” .

وعن الباقر (ع) قال:” إنَّ الخيرَ معقودٌ في نواصي الخيل الى يوم القيامة “ .

وهذا يُشير إلى وجوب اللجوءِ إلى السيف في بعض الأحيان، وإلى استحبابه في أحيانٍ أخرى، كما ويُفهم أيضاً من النص المبارك، أن تحصيلَ الخير في بعض الظروف لا يمكن أن يكون إلا بالسيف، وأنَّ تركَ ذلك يؤدي إلى ضياع الحقوق والأوطان والسلام. فلا بدَّ من قوةٍ رادعةٍ لتحصيلَ الحق لأهله، وقمع المجرمين والمفسدين.‏

ففي نص عنه(ص):” فمن ترك الجهادَ، ألبسه الله ذُلاً وفقراً في معيشته، ومَحْقاً في دينه، إن الله أعزَّ أمتي بسنابك خيلها، ومراكز رماحها” .

وعلى كل حال، فإنَّ الجهاد أمرٌ، جعله الشرعُ المقدسُ علينا واجباً أو مستحباً… بحسب الظروف والأوضاع…‏

ومن آداب السلوك في الإسلام، أن يبقى المسلم متهيئاً، ومستعداً دائماً للجهاد في سبيل الله، ولردِّ العدوان ودفعِ المخاطر… وأن يكون جنديَّ احتياط في جيش الإسلام…‏

وهذا ما تُقِرُّه وتمارِسه أكثرُ الأنظمة في العالم للمحافظة على كِيانها ومكاسبها.‏

وفي هذا المعنى، رُوي عن النبي (ص) قولُه:” أخبرني جبرائيلُ بأمر قرَّت عيني، وفرح به قلبي، قال:يا محمد من غزا من أمتك في سبيل الله فأصابه قطرةٌ من السماء أو صداعٌ، كتب الله له شهادةً إلى يوم القيامة” .

وعنه (ص):”خيول الغزاة في الدنيا، خيولهم في الجنة، وإنَّ أردية الغزاةِ لسيوفهم” .

وبهذا يتبين لنا وجوبُ الجهاد مع القدرة على ذلك، للدفاع عن الأرض والعرض، واستحبابُه في حالات أخرى.‏

اللهم احفظ الاسلام و المسلمين

اللهم احفظ العراق و اهله

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال