جمال العسكري ||
يتسلطن الامام السجاد رموز العرفان ويقف على مقدمته ويحدد موقعيته ومساره، ليس ذاك اعتباطا، بل للقيم العليا التى تحلى بها عليه السلام، لاسيما، الورع، الخشوع، عمق العبادة، وغيرها من الصفات الحميدة التي في بعضها كان وترا لايضاهيه فيها احد البتة.
لكن الصفة المميزة له هي البكاء الطويل المستمر حتى لقب ب”البكاء”.
لم يكن البكاء حالة وجدانية عابرة او انفعالا نفسيا ناتج عن الحيف الذي تعرض له في كربلاء انما فعلا وجدانيا يختزن في داخله فلسفة وجودية وعرفانية عميقة… عبر فيها عليه السلام عن رؤيته للكون والانسان والمأساة والعدالة والعلاقة مع الله سبحانه وتعالى.
اختزن فعل البكاء عنده حمولات ودلالات كبيرة موزعة بين العرفان والوجود والمقاومة…
الا ان البكاء كفعل مقاوم، يلاحظ انه عليه السلام بعد مأساة كربلاء اغرق في البكاء واسهب واضرب فيه، لكن ليس للبكاء المجرد، بل كان فعل مقاوم صامت في وجه السلطة الاموية التي اجتهدت في محو ذكرى الامام الحسين واهل بيته، فبكاؤه الطويل والسرمدي كان نوعا من التوثيق العاطفي المستمر للحقيقة. وأيضا عن طريق وسيلة البكاء حفر في ذاكرة الامة الاحداث المأساوية التي وقعت في كربلاء..
وهو بذلك اتخذ من البكاء السور والحصن الامينة لحماية الحقيقة المؤلمة التي شهدتها الانسانية في نينوى.
فالدمعة في فقه السجاد عليه افضل الصلاة والسلام ليست ضعفا ولا استكانة انما هي النور الذي يضيء ظلمات النفس ويكشف في طياتها عن جمال الخضوع الالهي وجمال العبودية للامنتهي.