جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف السلطة الأموية والعقيدة الجبرية..!

السلطة الأموية والعقيدة الجبرية..!

حجم الخط

 


د. محمد هاشم البطاط ||


لم تكن العبارة التي خاطب بها عبيدُ الله بن زياد الحوراءَ زينب (ع) بعد واقعة الطف: (كيف رأيتِ صنع الله بكم؟) تعبر عن كلام عابر للتشفي والشماتة، وإنما تكشف عن أستراتيجية مقصودة إشتغل عليها الأمويون لعقود طويلة، وهي (العقيدة الجبرية) التي تعني في أبسط دلالاتها: أن أفعال الناس إنعكاس لإرادة الله تعالى، ومن ثم هم مجبورون على القرارات التي يتخذونها، ولقد تعمّد الأمويون على تثقيف المجتمع على الجهل والخضوع والتسليم للحاكم،

لأن توليته تأتي كإستجابة للإرادة الالهية، وأفعاله إنعكاس للعقيدة الجبرية، من هنا نلاحظ أن الخليفة الثالث عندما ثار الناس عليه في ظل ما عُرف تأريخياً بـــ(الفتنة)، وطالبوه بالتنحي نتيجة لهيمنة بني أمية والمقربين منهم على مقدرات الدولة الاسلامية الفتية، أجاب: (لا أنزع لباساً ألبسنيه الله)!

وهي إشارة مكثفة بأن توليته للمنصب تمت بإرادة الهية، ولا يمكنه أن يتخلى عن المنصب تماشياً مع طلب الناس، على الرغم من أن توليه الخلافة جاء نتيجة لمقررات الشورى السداسية واتفاقاتها!

ولأن السلطة الأموية كانت مدركة تماماً أنها تفتقد الى الشرعية الدينية والإجتماعية-السياسية في تولي خلافة المسلمين، إعتمد معاوية بن أبي سفيان أستراتيجية العقيدة الجبرية، وثقف بها، وروج لها، حتى صارت الأساس الايديولوجي للدولة الاموية،

وقد ذهب أبو هلال العسكري الى (أن معاوية أول من زعم أن الله يريد أفعال العباد كلها)، ومن الطبيعي عندها أن تكون كل أفعال الحاكم السياسي مبررة، ومقبولة، ولا يمكن الثورة عليها، ولهذا عندما قرر تولية الخلافة لابنه يزيد، واعترض عليه البعض كعبد الله بن عمر وغيره، أجابهم (إن أمر يزيد كان قضاء من القضاء، وليس للعباد خيرة من أمرهم)، أي أن الامر كله بيد الله تعالى، ولا دخل لأهلية يزيد بالأمر، أو لموقف المسلمين منه!

ويوجد نص مثير لزياد بن أبيه، (سُمي ابن أبيه لأنه لا يُعلَم من هو ابوه!)، وهو والد عبيد الله بن زياد، يقول فيه: إنّا اصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خول لنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا..).

نفس الاستراتيجية الجبرية إستمر عليها يزيد بن معاوية في تبرير خلافته التي لا يمكن تبريرها، وكان التأكيد يتم من خلال أن وصول الحاكم الى الخلافة نتاج السماء، ولا دور لأهليته فيه، والفعل البشري صنع إلهي لا يمكن الاعتراض عليه، وبذلك تكون جريمة قتل الإمام الحسين (ع) ومن معه قضاءً إلهياً منسجم مع الجبرية الاموية،

فكان قول عُبيد الله بن زياد بأن ما حصل في كربلاء هو صنع الله، وقد أدركت السيدة زينب طبيعة الامر لذلك أجابت (كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه، وتختصمون عنده)، أي ان الجرم المرتكب نتاج لإستبداد السلطة، وعنجهية الحاكم، والناس مخيرون في أفعالهم، صحيحٌ أنها إرادة إلهية، بوصفه تعالى خالقاً للكون ومتحكماً فيه،

إلا أن الفعل البشري ينتج عن حرية الارادة والاختيار التي يحاسب عليها الانسان يوم القيامة، فـــ(لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين) كما ورد عن آل البيت (ع).

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال