علي الحاج
بعد ان وضع الشيخ قيس الخزعلي الاساس العقدي لصراع الحق والباطل في قصة خلق آدم وابليس، ينتقل في محاضرته الى عرض تاريخي لجولات هذا الصراع عبر الزمن، مبينا كيف ان كل مواجهة كانت تجري وفق النمط ذاته، مشروع إلهي يمثله نبي او إمام او ولي، في مقابل مشروع شيطاني يمثله أعداء الرسالات.
في اول ج ولة بشرية، كان الصراع بين قابيل وهابيل، حين قبل قربان احدهما دون الآخر، فاستجاب قابيل لاغواء ابليس، وقتل اخاه. وهكذا كانت اول دماء تسفك في الأرض، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الحروب، كما يقول الشيخ، حتى انه لا يكاد يمر يوم في تاريخ البشرية من دون صراع او دم.
ثم ينتقل الى نوح عليه السلام، الذي دعا قومه ليلا ونهارا،سرا وجهارا، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا القليل، وبالتالي، كانت الجولة الثانية أيضا لصالح ابليس، اذ استحق القوم عذاب الاستئصال.
ويواصل سماحته سرد الجولات في زمن هود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وموسى، وعيسى عليهم السلام، ويؤكد ان كل نبي واجه نفس النمط من العداء، مشروع حق يدعو إلى التوحيد والإصلاح والعدل، قباله مشروع باطل يتبنى الشرك والفساد والطغيان.
وفي أغلب هذه الجولات، كانت الغلبة الظاهرية للباطل، لان اكثر الناس لا يعقلون، ولان ابليس استطاع ان يخدعهم بالوعد والهوى.
ولكن الجولة الحاسمة التي يركز عليها الشيخ هي جولة النبي الخاتم محمد "صلى الله عليه وآله"، والتي اعتبرها الشيخ الفرصة الأخيرة لابليس، اما ان يثبت مزاعمه، او يهزم امام الرسالة الخاتمة.
وهنا، يلفت الشيخ الانتباه الى ان ابليس ليس كائنا مجازيا او رمزيا، بل هو كائن موجود وحقيقي ويتجسد حين يشاء، وقد تجسد فعلا يوم ولادة النبي ويوم نزول الوحي، حتى انه حضر في دار الندوة واقترح بنفسه خطة اغتيال النبي.
ثم يكشف سماحته حقيقة مفصلية وهي، رغم انتصار النبي في نشر الاسلام، الا ان ابليس استطاع بعده ان يتسبب في اغتيال امير المؤمنين، والحسن، والحسين، وبقية الأئمة "عليهم السلام"، وهو ما جعله يحقق مكاسب في جولات متتالية من هذا الصراع.
وبذلك، نحن – كما يؤكد الشيخ – نعيش اليوم الجولة الاخيرة من المعركة الاخيرة، وهي جولة امتدت منذ تولي الامام المهدي "عليه السلام" الإمامة، وستنتهي بظهوره، حين ينتصر الحق نصرا نهائيا ويقضى على مشروع ابليس بالكامل.
الشيخ الأمين لا يطرح هذا التسلسل من باب السرد، بل من باب التذكير بان كل ما يحدث في عالم اليوم من حروب وازمات وتشويش وتشويه، هو فصل من هذا الصراع القديم.
وان دور الانسان هو ان يختار المعسكر الذي ينتمي اليه، اذ لا مكان للمحايدين.
هذه الرؤية تمنح المؤمن وعيا رساليا، وتضعه أمام مسؤولية كبرى،
ان يعرف موقعه في المعركة، وان يتيقن ان سكوته او جهله او تردده، قد يعني انه ينضم إلى مشروع ابليس من حيث لا يشعر.