زيدون محمد الحلو
حين تكتب الشعوب تاريخها بدماء أبنائها، تبقى الحركات المجاهدة شاهدة على مرحلة صعبة من عمر الوطن، ومن بين هذه الصفحات المضيئة برزت عصائب أهل الحق، حركة انبثقت من رحم مدرسة الشهادة والجهاد، مدرسة المرجع الشهيد آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس سره ) لتجعل من التحدي نهجًا، ومن الإباء سلوكًا، ومن المقاومة عقيدة لا تنكسر.
البدايات والجهاد ضد الاحتلال
منذ بواكير الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 اختار عناصر الحركة التي كانت ضمن تشكيلات التيار الصدري بعناوين معينة طريق المواجهة، فحملوا السلاح دفاعًا عن الأرض والكرامة، وخاضوا معارك متواصلة حتى عام 2011، لم ينسها العدو قبل الصديق، إذ سطّروا بدمائهم ملاحم أبت أن تُمحى من ذاكرة التاريخ.
ومع بدايات التأسيس بعد عام ٢٠١٢ لم تخلُ المسيرة من محن، فقد تعرض العديد من أبناء الحركة إلى اعتداءات ومضايقات، كان الهدف منها كسر شوكتها وإرباك مسارها. غير أن منهج العصائب ظل ثابتًا، قائمًا على الصبر والهدوء، وتفويت الفرصة على الأعداء من استثمار الخلافات والمماحكات الداخلية.
الدفاع عن المقدسات في الشام
وحين عصفت بالمنطقة رياح الفتنة، وامتدت أيدي الإرهاب لتهدد مرقد السيدة زينب عليها السلام في سوريا عام 2012، لبّى رجال العصائب نداء العقيدة، فكانوا إخوة زينب، يتقدمون الصفوف، ويؤكدون أن الدفاع عن المقدسات لا تحده الجغرافيا ولا تقف دونه التهديدات. حتى الخصوم – على شدّة عداوتهم – اعترفوا لهم بثباتهم وصمودهم.
وهنا اعطت الحركة شهداء قادة من خيرة رجالها يوسف المالكي وعلي البهادلي
وخالد الساعدي
والسيد سجاد الجابري
وسيف البيجاوي
وسالم الغنامي
وكرار الشحماني
معركة الوجود ضد داعش
ثم جاء يوم المحنة الكبرى عام 2014، حين اجتاحت عصابات داعش الإرهابية مدن العراق الغربية، فهبّت العصائب من جديد، لتقف سدًا منيعًا بوجه آلة القتل والتكفير. من سامراء إلى تكريت، ومن ديالى إلى بيجي، انتشرت ألوية الحركة، وارتقى شهداؤها على ثرى الجبهات، يسطرون للعراق فجرًا جديدًا عنوانه التضحية والانتصار
حيث ارتقى العديد من شهدائهم القادة في المعارك مع تنظيم داعش
منهم الشهيد القائد مهدي الكناني وابو صديقة الجمالي وابو زهراء الحريشاري ومهند الدبي وغيرهم
حملات التشويه والامتحان الصعب
ومع هذا الحضور الميداني البارز، راحت بعض الأطراف تعمل على تشويه صورة العصائب، إدراكًا منها أن حضورها في ساحات الجهاد والسياسة معًا سيجعلها لاعبًا وازنًا لا يمكن تجاوزه. ومن أبرز حملات التشويه ما رُوّج عام 2015 من اتهامات باطلة ضد مقاتليها بسرقة أجزاء من مصفى بيجي، وهي فرية ظل الإعلام الأصفر يلوكها طويلاً، حتى كشف الله زيفها، حين سلّم أحد كبار رجال الأعمال تلك الأجزاء – التي كانت مخبأة في ضواحي أربيل – إلى الحكومة، لتسقط بذلك واحدة من أكبر محاولات التشويه الممنهج.
لكن هذه الحملات لم تُثنِ الحركة عن مسارها، بل دفعتها إلى تعزيز حضورها السياسي.
من الساتر إلى البرلمان
منذ دخولها الفعلي إلى المشهد الانتخابي عام 2018، سعت العصائب إلى تصدير كوادرها الشابة ليكونوا فاعلين في البرلمان ومؤسسات الدولة، إيمانًا منها بأن الجهاد لا يكتمل بالسلاح وحده، بل يُترجم أيضًا في بناء دولة عادلة تصون حقوق المظلومين والمحرومين.
ففي مشهد سياسي ينوء بالشيخوخة ويُثقل كاهله إرث المصالح، بدت العصائب أكثر حيوية وقربًا من نبض الشارع، تحمل خطابًا جديدًا يتناغم مع آمال الجيل الصاعد، وتبني حضورًا سياسيًا يتكامل مع تاريخها الجهادي.
الخاتمة
هكذا تتكامل صورة الحركة: بندقية في الميدان، وفكر في البرلمان، وشبابية في القيادة. ليست العصائب مجرد كتلة سياسية عابرة، بل هي صفحة من صفحات العراق الحديث، كتبتها دماء شهدائها، وصاغتها مواقفها، وحفظتها الذاكرة الشعبية كرمز من رموز الصمود والوفاء.
وإذا كان الماضي قد وثّق حضور العصائب في ساحات الدم، فإن المستقبل يترقب دورها في ميادين البناء والسياسة، لتبقى شاهدًا على أن العراق لا ينكسر ما دام فيه رجال آمنوا أن الجهاد لا ينفصل عن خدمة الناس وصون كرامتهم.