جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف السفراء الجدد: بين هندسة المحاصصة وبذور المهنية

السفراء الجدد: بين هندسة المحاصصة وبذور المهنية

حجم الخط

 


ملاك الموسوي


في لحظة تبدو فيها السياسة الخارجية العراقية وكأنها مرآة مشروخة تعكس الداخل أكثر مما تنفتح على العالم، جاء تصويت البرلمان على قائمة السفراء الجدد كحدث مزدوج المعنى: فمن جهة هو استجابة لحاجة ملحة لملء الفراغ الدبلوماسي، ومن جهة أخرى كان الحدث (كأي حدث آخر في عراق المكونات المتعددة)، خاضعا لمنطق المحاصصة، لكن هذه المرة بلمسة مهنية فرضها عدة جنود مجهولين.

لسنوات، ظل العراق يعاني من غياب السفراء في عشرات العواصم، بينما كانت سفاراته تتحول إلى مكاتب علاقات عامة حزبية أو مراكز خدمات محدودة. التمثيل الدبلوماسي فقد رمزيته، وتحول إلى وظيفة إدارية، بل أحياناً إلى مقاولة سياسية. في المقابل، كانت دول العالم الكبرى تملأ بغداد بسفراء فاعلين، يفاوضون ويضغطون ويعيدون تشكيل المشهد، بينما صوت العراق في الخارج كان خافتاً، أو غائباً تماماً.

اختيار السفراء لم يكن عشوائيا، فقد كانت هناك لجنة مقابلات مهنية، نجحت في فرض معيار الحد المطلوب من الكفاءة. كما عمل جنود محهولون بلا أضواء ولا منابر، على أن تقدم الكتل السياسية ما لديها من كفاءات وطنية، ولو على مضض، ونجحوا في تحويل المحاصصة من آلية توزيع نفوذ إلى مساحة تفاوض على الكفاءة.

القائمة التي تم التصويت عليها تمثل "الأفضل الممكن" ضمن شروط اللعبة السياسية، هناك أسماء حزبية، نعم، لكن بعضها يمتلك خبرة ومهنية. وهناك موظفون من داخل الوزارة، وهذا بحد ذاته انتصار للعاملين في السلك الدبلوماسي. 

السؤال الآن ليس من تم تعيينه، بل ماذا سيفعل هؤلاء السفراء؟ هل سيكتفون بتمثيل شكلي، أم سيعيدون بناء صورة العراق في الخارج؟ هل سيطرقون الأبواب، أم ينتظرون الدعوات؟ هل سيعيدون للسفارات دورها كمراكز نفوذ، أم سيبقونها مباني أنيقة بمقاعد شاغرة؟

السفراء الجدد ليسوا أزمة. هم اختبار لقدرتنا على تحويل التمثيل إلى سيادة، والمهنية إلى فعل، والدبلوماسية إلى مقاومة رمزية ضد الرداءة.


تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال