بقلم / عبير طعمة
في محطات التاريخ الفاصلة، تبرز الشخصيات التي لا تصنع الأحداث فحسب، بل تعيد توجيه مسارها بما يخدم الوطن ويصون كرامته. وفي عراق الجراح والانتصارات، لمع اسم سماحة الشيخ الأمين قيس الخزعلي بوصفه رمزاً للشجاعة النادرة، وقائداً جمع بين صلابة الميدان وفصاحة الموقف، بين حدة السيف وعمق الفكر.
لم يكن الشيخ الأمين مراقباُ من بعيد لأحداث اجتياح الإرهاب لمدن العراق، بل كان في قلب المعركة، يقود الصفوف الأمامية، مؤمناً أن مواجهة الشر لا تُدار من المكاتب المغلقة، بل من خنادق الرجال وميادين التضحية. قاتل بعقيدة راسخة، ورؤية واضحة، وإيمان لا يتزعزع بأن العراق وطن يستحق أن يُفتدى بالروح والدم. وفي كل مواجهة، كان يضرب مثالاً في الإقدام، فيرى فيه رفاقه قائداً يلهمهم كما يقاتل معهم، لا يعرف الخوف إلى قلبه طريقًا.
أما على صعيد السياسة، فقد امتلك الشيخ الأمين وعياً ناضجاً ، وأفقاً رحباً ، استطاع من خلالهما أن يوسّع قاعدته الشعبية، ليس بالوعود العابرة ولا بالشعارات الفارغة، بل بخطاب وطني صادق يخاطب العقول قبل القلوب. فتح قلبه وأبوابه لكل أبناء الوطن، مؤمناً أن العراق بيت واحد يسع الجميع، وأن الاختلاف في الرأي لا يلغي الشراكة في الانتماء. فتعامل مع جميع المكوّنات بروح الأخوة، واضعاً راية العراق فوق كل راية، ليؤكد أن وحدة الصف هي السلاح الأقوى في مواجهة كل الأخطار.
خطابه السياسي لم يكن حبيس دائرة حزبية أو مذهبية، بل كان جسراً يربط بين الضفاف، وأفقاً يلمّ شمل المختلفين، جامعاً الكلمة على مصلحة الوطن. حمل همّ العراق بكل تنوعه، وتواصل مع القريب والبعيد، وأثبت أن القيادة الحقّة هي التي توحّد ولا تفرّق، وتبني ولا تهدم.
واليوم، ومع تعدد التحديات وتشابك الملفات، يبقى الشيخ الأمين مثالاً للقائد الذي يوازن بين الحكمة والشجاعة، بين السياسة المبدئية والموقف الإنساني النبيل، قائداً حمل البندقية بيد، وغرس غصن الزيتون باليد الأخرى، فجمع بين صرامة الميدان ورحابة الفكر، وبين الولاء للوطن والوفاء لأبنائه. في حضوره، يتجسد معنى القيادة التي تبني ولا تهدم، وتوحد ولا تفرّق، وتزرع الأمل في أرضٍ أنهكها الألم. سيبقى صوته صدىً للحقيقة في زمن الضجيج، ونوره دليلاً للأجيال وسط العتمة، ما دام في العراق رجالٌ آمنوا أن رايته أكبر من كل راية، وأن كرامته أثمن من كل مكسب..