سالم الساعدي
في منظور أصحاب الفكر المادي، قد تبدو مواسم الزيارة المليونية للامام الحسين عليه السلام وما يصاحبها من تقديم خدمات مثل الطعام والشراب والمبيت والخدمات الاخرى مجاناُ عملًا غير منطقي اقتصادياً، بل وخسارة واضحة في الميزان المالي، إذ تُنفق الأموال الطائلة بلا أي مردود مادي مباشر. غير أن هذا المشهد ذاته، في نظر المؤمنين وأصحاب البصيرة الإيمانية، يُعد تجارةً رابحة مع الله عز وجل، وكنزا أخرويا لا يُقاس بالمكاسب الدنيوية. فهنا لا تُحسب الأرباح بالأرقام أو العملات، بل تُقاس بما يُرجى من الثواب والرضوان، وما يُكتسب من شرف خدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام ، ففي مواسم الزيارة المباركة، نجد الجميع يتسابق لتقديم ما لديهم من خدمات وبضائع مجانا، حتى إن وفرة هذه الخدمات تدفع بعضهم أحياناً إلى الإعلان عنها والترويج لكثرة ما هو معروض دون مقابل كوسيلة لتقديم خدمة اكثر . وهذه الحالة، وإن كانت مألوفة في عالم الشركات الربحية المادية التي تلجأ لمثل هذه الأساليب في ظل شدة المنافسة، إلا أنها هنا تأخذ طابعاً مختلفا تماما، إذ إن الخدمة تقدم بلا أي مردود مادي، ويتنافس أصحاب المواكب فيما بينهم في البذل والعطاء، في مشهد يفوق خيال الماديين ويكاد يكون غير مفهوم في منطقهم. ومن زاوية النظر المادية البحتة، قد يُعد هذا السلوك خسارة اقتصادية واضحة، لكن أصحاب المواكب والهيئات الخدمية يدركون تمام الإدراك أن تجارتهم الحقيقية هي مع الله سبحانه وتعالى، وأن الربح الذي يسعون إليه ليس دنيوياً بل أخروي أبدي.، إن هذه الظاهرة، التي قلَّ نظيرها في العالم، لو وُجدت في أي بلد آخر لتم استثمارها اقتصادياً بأقصى صورة، ولحققت الشركات الكبرى من ورائها المليارات من خلال استغلال هذا الحشد البشري الهائل. لكن في العراق، بلد العطاء والإيثار، اختلف المشهد تماما ؛ إذ استُثمر هذا الحشد في التقرب إلى الله، من خلال خدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام.
ورغم وجود بعض السلبيات أو الشبهات التي قد تحيط ببعض القائمين على هذه الخدمة، إلا أن جوهرها يظل عملًا يُبتغى به وجه الله، وسعياً لنيل المغفرة والرضوان. وما يزيد الأمر عجبًا أن هذا التجمع البشري يتجاوز العشرين مليون زائر، يسيرون لمسافات طويلة قد تمتد جذورها لأكثر من ألف وخمسمائة كيلومترمتفرعة من اكثر من محافظة يسلكها الزائرين عراقيين ووافدين من بلدان اخرى، قادمين من مختلف الطرق المؤدية إلى كربلاء، في ظروف مناخية قاسية تصل فيها درجات الحرارة إلى أكثر من خمسين درجة مئوية، أي ما يفوق نصف درجة الغليان. ورغم كل هذه الظروف، نجد الطعام والماء البارد العذب متوفرا بكثرة، إلى جانب العصائر الطبيعية والمشروبات المبردة، فضلًا عن تجهيز أماكن استراحة مهيأة بمبردات عملاقة لتخفيف مشقة السفر عن الزائرين. وهذه الخدمة العظيمة، التي يقدمها خدام الإمام الحسين عليه السلام، ليست مجرد تنظيم بشري، بل هي معجزة حقيقية بكل المقاييس، تتحدى الظروف الصعبة وتثبت أن الإيمان والعقيدة يمكن أن يصنعا ما يعجز عنه المال والأنظمة المادية.
وهكذا، فإن ما يراه الماديون خسارة لا مردود لها، يراه المؤمنون ربحا لا ينفد، وما يعده أهل الدنيا تبذيرًا للمال والجهد، يعده عشاق الحسين زاداً للطريق الأبدي. إن خدمة زوار الحسين عليه السلام ليست تجارة مؤقتة، بل عهدٌ أبدي مع الله، تُسطره الأيادي بعرقها، وترويه القلوب بحبها، وتشهده الأرض والسماء. في ميزان الدنيا قد تُحسب الأرقام، لكن في ميزان الحسين تُحسب النيات، وفي سجل الآخرة تُكتب الأرباح الحقيقية؛ أرباح لا تنتهي بانتهاء الموسم، بل تبقى ما بقيت السماوات والأرض. تلك هي التجارة التي لا يعرفها الماديون، وتلك هي المعجزة التي يصنعها الإيمان حين يلتقي العطاء مع الولاء.
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسينوعلى اصحاب الحسين الذين بذلو مهجهم دون الحسين وبيض الله وجوه الموالين الذين سخرو اموالهم وجهدهم لخدمة الحسين تقرباً الى الله بمحبة الحسين
"إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ