جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الانتخابات ركيزة الديمقراطية العراقية..!

الانتخابات ركيزة الديمقراطية العراقية..!

حجم الخط

 


ناجي الغزي ||


منذ سقوط النظام السابق عام 2003، شكّلت الانتخابات في العراق العنوان الأبرز لأي مسار ديمقراطي ممكن، إذ غدت البوابة التي يعبّر من خلالها المواطنون عن خياراتهم السياسية، والمقياس الذي تُقاس به شرعية النظام وقدرته على التجدد عبر التداول السلمي للسلطة. ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يقف العراق أمام اختبار جديد لا يقتصر على كونه استحقاقاً دورياً، بل يتجاوز ذلك إلى كونه محطة مفصلية تكشف مدى نضج التجربة الديمقراطية العراقية وقدرتها على مواجهة تحديات مزمنة، في مقدمتها سطوة المال السياسي وضعف البنى المؤسسية. فالانتخابات ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لترسيخ ثلاثة مرتكزات أساسية لأي نظام ديمقراطي: شرعية السلطة، والتداول السلمي للحكم، وربط الحاكم بالمحكوم.

الانتخابات كعتبة أولى للديمقراطية

لا يمكن تصور ديمقراطية راسخة من دون انتخابات حرة ونزيهة. فهي الأداة التي تمنح الشرعية للسلطة، وتفتح المجال أمام المشاركة الشعبية، وتوفر مخرجاً سلمياً لتداول الحكم. بالنسبة للعراق، حيث الذاكرة الجمعية لا تزال مثقلة بآثار الدكتاتوريات والانقلابات، لذلك تكتسب الانتخابات معنى مضاعفاً: فهي ليست مجرد ممارسة سياسية، بل ضمانة لعدم عودة الاستبداد وصمام أمان ضد الانزلاق إلى الفوضى أو حكم الفرد المطلق.

لكن، التجربة العراقية كشفت أن وجود صناديق اقتراع لا يكفي وحدها لإنتاج ديمقراطية. فالمشكلة ليست في آلية التصويت بحد ذاتها، بل في البيئة السياسية والمؤسساتية التي تحيط بها مثل: نزاهة المفوضية، استقلال القضاء، شفافية تمويل الحملات، وحماية الناخبين من الضغوط السياسية والإغراءات المادية. اضافة إلى ذلك دور الإعلام المضلل، الذي كان من المفترض أن يرفع من وعي الناخب ويعزز ثقافة المشاركة، لكنه في كثير من الأحيان انخرط في الصراع السياسي وأصبح أداة للتحريض على المقاطعة، أو لتوجيه الرأي العام بما يخدم أجندات سياسية ضيقة. هذه الممارسات لا تبني مجتمعاً ديمقراطياً ناضجاً، بل تُبقي الدولة في حالة هشاشة سياسية دائمة، وتجعلها عرضة للاختراقات الخارجية والتدخلات الإقليمية والدولية.

سطوة المال السياسي

مع اقتراب كل دورة انتخابية، يبرز المال السياسي كعامل مهدّد للمنافسة العادلة. تُضَخ أموال طائلة في الحملات الانتخابية عبر وسائل عدة منها: إعلانات ضخمة، وشراء أصوات، وعود بالتوظيف أو توزيع مساعدات عينية. اضافة الى شراء بطاقات الناخبين في المناطق الشيعية حصراً وتلفها، من أجل حرمان الناخب من الادلاء بصوته. ورغم أن القوانين العراقية تضع سقوفاً للإنفاق وتجرّم الرشوة الانتخابية، فإن الرقابة غالباً ما تبقى شكلية، مما يخلق حالة من عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين.

هنا، يصبح الفوز مرهوناً بالقدرة المالية للأحزاب والكتل السياسية على استثمار المال السياسي المدعوم خارجياً واستغلال النفوذ في مؤسسات الدولة، أكثر مما هو مرهون بالبرامج السياسية أو ثقة الجمهور. هذه الممارسات تهدد بتحويل الانتخابات من وسيلة لإرادة الشعب إلى أداة لإعادة إنتاج الفاسدين.

دور المؤسسات والرقابة

المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئات النزاهة، والقضاء، جميعها تتحمل مسؤولية مباشرة في ضبط هذه الظاهرة. لكن التحدي أكبر من القدرة الفنية لهذه المؤسسات؛ فهو يرتبط أساساً بمدى وجود إرادة سياسية جادة لتطبيق القانون على الجميع دون استثناء. كما أن غياب الشفافية في تمويل الأحزاب يزيد المشهد تعقيداً، حيث تُجرى العديد من التعاملات بعيداً عن القنوات الرسمية.

لذلك، لا يكفي سنّ قوانين جديدة أو رفع سقوف العقوبات، بل المطلوب إعادة بناء منظومة الرقابة من الداخل، بما يضمن استقلالها، وتفعيل أدوات المجتمع المدني والإعلام الحر كأذرع رقابية موازية.

وعي الناخب كسلاح حاسم

على الرغم من أهمية القوانين والرقابة، يبقى وعي الناخب العامل الأكثر حسماً في إنجاح التجربة الديمقراطية. فكل صوت يُباع مقابل مال أو وعد زائف، هو في الحقيقة تنازل عن مستقبل البلد وإهدار لفرصة بناء مؤسسات حقيقية. إدراك المواطن العراقي لخطورة بيع صوته او التحايل على سلب بطاقة الناخب، عبر الترغيب والاغراء المادي، يشكل خط الدفاع الأول ضد سطوة المال السياسي، وهو ما يجعل من التربية المدنية والإعلام المسؤول أدوات مكملة لأي إصلاح انتخابي.

لذا نرى أن الانتخابات المقبلة ليست مجرد حدث سياسي عابر، بل مفترق طرق في مسيرة العراق الديمقراطية. إن 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 سيكون اختباراً لمدى قدرة العراقيين، نظاماً ومجتمعاً، على تحويل صناديق الاقتراع إلى أداة حقيقية للتغيير، لا مجرد واجهة شكلية لإعادة إنتاج الأزمات نفسها.

فإذا ما توفرت الإرادة السياسية، وتعزز وعي الناخب، وأُخضِعت الأموال والنفوذ لمعايير القانون والشفافية، يمكن أن تشكل هذه الانتخابات خطوة حقيقية نحو ترسيخ دولة المؤسسات والعدالة. أما إذا بقي المال السياسي مهيمناً، فإن الديمقراطية ستظل حبراً على ورق، والانتخابات مجرد طقس دوري لا يُغير في جوهر الحكم شيئاً.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال