انتصار الماهود ||
اي إرث تركوا لنا؟، وأي طريق اختاروه لأنفسهم؟، لماذا اختاروا الشهادة وفضلوا أن تنتهي حياتهم هكذا، لماذا لم يرغبوا في عيش رغيد، والتمتع بملذات الحياة وسرورها وكأن لسان حالهم لا يقول غير ما ورد في هذا البيت:
وما العيش إلا عزّة تحت ظلها
فإن غابت العزّة فالموت أفضل
أسأل نفسي دوماً، لماذا أنتم لماذا تمتلكون غيرة على الوطن وترابه أكثر من غيركم، مع العلم أن معظمكم حين استشهدتم لا تملكون شبراً يخصكم، عجيب ذلك الايثار الذي تملكونه والأعجب هو شجاعتكم رغم كل ما تواجهون.
اليوم نتحدث عن شهيد ترك بصمة مختلفة عن غيره، شخص مميز بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هو مالك كاظم العگيلي، إبن منطقة المعامل ولد في عام 1985، عاش كغيره من ابناء وطنه الذين رزحوا تحته قسوة النظام وظلمه، وصعوبة توفير أي شيء في زمن اللعين الذي كان يغدق بخيرات العراق على حاشيته وزبانيته فقط، وكان المواطن العادي يعاني الأمرين كي يعيش، ورغم صعوبة ما كان يعانيه مالك إلا انه تربى تربية صالحة مستقيمة وعاش حياة كريمة.
لم يكن قد بلغ سنيّ رشده حين حمل السلاح، وقاوم المحتل الأمريكي، واختار هذا الطريق رفيقاً له، وكان حلمه هو وطن حر خالٍ من سيطرة الأجنبي، انضم لصفوف المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق، وكان لشجاعته وعزيمته القوية ما يؤهله ليصبح من أكثر المقاتلين قوة، وأبرزهم وأشرسهم، وكان ينشط في مناطق شرقي القناة في بغداد، وكان ينفذ عمليات نوعية ضد قوات المحتل، بل إنه كان العقل المدبر لعمليات كثيرة تركت بصمتها ضد المعتدي، يعرف كيف يخطط وينفذ بدقة دون أي أخطاء، وكان دائماً في المقدمة قبل جميع المقاتلين يشّد من عزيمتهم ويقويهم ويكون لهم سنداً وقوة.
كانت له صولات لا تنسى في مناطق حزام بغداد ضد تنظيم القاعدة التكفيري، واستغل خبراته القتالية بالتنسيق مع مجاميع المجاهدين، لصد هجمات أتباع الشيطان ومنعهم من تحقيق أهدافهم، عمليات معقدة وخطرة بعضها قام بها منفرداً، وبعضها ضمن مجاميع مع إخوته المجاهدين، وكانت له آخر عملية ضد المحتل في 30 من تشرين الثاني عام 2011، قبل انسحاب قوات الإحتلال، فالمعركة لم تكن إلا معركة عقيدة ومبدأ ضد من يتعدى على ارضه.
في وقت حل فيه الخراب والدمار، تم استبدال تنظيم القاعدة بتنظيم داعش الإرهابي المدعوم أمريكيا، في المنطقة كانت لمالك صولات في سوريا، في الدفاع عن مرقد عقيلة الطالبيين مولاتي الحوراء زينب عليه السلام، وعاد بعدها ليكمل واجبه تجاه وطنه، بخوضه معارك ضد داعش في مناطق غرب العراق، وحزام بغداد ومناطق ابراهيم بن علي، والضابطية وجرف الصخر واليوسفية وغيرها، أينما يحس بالخطر لا يتوانى عن تقديم نفسه كقربان يضحى به لأجل بلده.
عدة محطات كان يمر بها كان يتمنى فيها الشهادة، والالتحاق بركب من سبقه من إخوته حتى وصل لمحطته الأخيرة، وهي منطقة (التحرير في المشاهدة)، حيث خاض فيها معركة شرسة ربما كانت نوعاً من التعبير عن الألم والحزن، لفقد أخيه وسام الذي سبقه لنيل شرف الشهادة، وهذا ما حدا برفاقه أن يحاولوا إيقافه خوفاً على حياته، إلا انه أبى وكان يصر على أن الشهادة هي كل ما يريد ويجب أن لا يوقفه أحد حتى نالها، وسقط جثمانه شهيداً على ارض خانها أهلها وصانها أبنائنا وإخوتنا وأحبتنا.
في 15 من شباط عام 2015 سطع نجم جديد في سماء الحق، والتحق بطل آخر من أبطالنا لعليين، لنكتب نحن عنه فصلاً جديداً في كتاب الرجولة والشجاعة.
فسلام على تلك الأرواح التي تلهمني وتشجعني وتقويني وتجعلني أفخر بأنني اليهم أنتمي ومنهم أكون
