جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الحرمَان الشريفان: أمانة الأمة وواجب حماية القدسية الأخلاقية من الانحلال والاسراف والتبذير..!

الحرمَان الشريفان: أمانة الأمة وواجب حماية القدسية الأخلاقية من الانحلال والاسراف والتبذير..!

حجم الخط

 

محمد علي اللوزي ||

واجب المسلمين تجاه حماية أرض الحرمين الشريفين من مظاهر الفجور والتعري والانحلال الأخلاقي هو واجب ديني وأخلاقي وحضاري، لا ينفصل عن مكانة الحرمين بوصفهما أقدس بقاع الأرض، ومرجعية روحية وقيمية للأمة الإسلامية جمعاء، وليسَا ملكاً سياسياً لسلطة أو نظام، بل أمانة شرعية في عنق الأمة كلها. فالحرم المكي والنبوي لم يكونا يوماً فضاءً عادياً يخضع لمنطق السوق أو الترفيه أو “الانفتاح”، وإنما موضع هداية وتشريع وقدوة، وأي مساس بقدسيتهما السلوكية والقيمية يُعد ضرباً لجوهر الرسالة الإسلامية، لا لمظاهرها فقط.

إن ما يجري من محاولات تطبيع الفجور والتعري وتسويق الانحلال الأخلاقي في محيط الحرمين أو باسمهما لا يمكن فهمه كظواهر عابرة، بل هو مسار متدرج يهدف إلى تفريغ المكان من رمزيته، وتحويل المقدس إلى منتج استهلاكي، وإعادة تشكيل وعي الأجيال على قبول المحرم بوصفه أمراً عادياً. وهذا النوع من الانحراف الناعم أخطر من الاعتداء الصريح، لأنه يستهدف الضمير الجمعي للأمة، ويمس هويتها في عمقها.

ويقع العبء الأكبر في هذا السياق على عاتق العلماء وطلبة العلم، إذ إن واجبهم الشرعي يحتم عليهم البيان الصريح، ورفض تبرير المنكر تحت ذرائع المصلحة أو الطاعة أو الخوف من الفتنة، فالصمت عن المنكر العلني في أقدس بقاع الأرض خيانة للأمانة العلمية، وتواطؤ غير مباشر مع تفريغ الدين من مضمونه الأخلاقي. كما أن على عموم المسلمين واجب الوعي وعدم الانخداع بخطاب الحداثة المزيّف، والتمسك بالرفض الأخلاقي الواضح، ونصرة القيم الإسلامية بالكلمة والموقف والكتابة والتربية، وعدم التطبيع القلبي مع المنكر مهما تكرر أو أُلبس لباس “التطور”.

لقد شرع الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابط الحكمة والبصيرة، لا بالفوضى ولا بالعنف، لكنه في الوقت ذاته لم يشرعن الصمت ولا الخضوع، ولم يجعل الخوف من الفتنة مبرراً لتعطيل أحد أعظم واجبات الدين. والخطر الحقيقي أن يُختزل الإسلام في طقوس تؤدى، بينما تُفرغ القيم من مضمونها، فيتحول الحرمين إلى واجهة شعائرية بلا رسالة أخلاقية، وهذا أخطر على الدين من المنع أو القمع.

إن الأمة اليوم أمام مسؤولية تاريخية كبرى: إما أن تحمي قدسية الحرمين أخلاقياً وسلوكياً، وتحافظ على مكانتهما بوصفهما ميزان القيم وضمير الأمة، أو أن تسجل على نفسها موقف الشاهد الصامت على تدنيس المعنى، حتى يصبح المنكر عرفاً، والباطل مقبولاً. فحماية الحرمين لا تكون بالفوضى ولا بالصدام الأعمى، وإنما بالوعي، والبيان، والثبات على الموقف، وحراسة المعنى، لأن سقوط الحرمين أخلاقياً لا يعني سقوط مكان بعينه، بل اختلال ميزان القيم في العالم الإسلامي كله.

وتبذير واسراف بمال المسلمين.ذلك ان العبث بالمال العام وصرفه في مظاهر المجون والرقص واللهو المكلف، في وقتٍ تعاني فيه المجتمعات الإسلامية من الفقر والبطالة وانعدام التنمية، إشكالية أخلاقية وشرعية جسيمة، لا تتعلق بدولة بعينها بقدر ما تمس الضمير الجمعي للأمة الإسلامية كلها. فالمال العام في التصور الإسلامي أمانة لا ملكية، ووسيلة لإعمار الأرض وتحقيق الكفاية والعدل، لا أداة للتبذير وصناعة اللهو الفارغ، خصوصاً حين يكون ملايين المسلمين في أمسّ الحاجة إلى الغذاء، والدواء، والتعليم، والتنمية المستدامة.

لقد قرر القرآن الكريم مبدأً قاطعاً في هذا الباب، حين قال تعالى:

﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾،

وقال أيضاً:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

وهذه النصوص لا تتحدث عن سلوك فردي فحسب، بل عن نهج سياسي واقتصادي، يكون فيه الإسراف في المال العام جريمة مضاعفة، لأنه اعتداء على حقوق الأمة، لا على مال خاص.

وفي واقعٍ يئن فيه العالم الإسلامي من مجاعات في بعض أقاليمه،

وانهيار في البنية الصحية والتعليمية،وتفاقم البطالة والفقر،

وحاجة ماسة إلى مشاريع تنموية حقيقية،

يصبح توجيه الأموال العامة نحو الحفلات الباذخة، والعروض الراقصة، ومواسم اللهو، استهتاراً فاضحاً بالمسؤولية الشرعية والتاريخية، وتكريساً لفلسفة الاستهلاك بدل البناء، واللهو بدل النهضة. فالتنمية ليست ترفاً مؤجلاً، بل ضرورة وجودية لحفظ كرامة الإنسان المسلم، وتحقيق مقاصد الشريعة في حفظ النفس والعقل والمال.

ثم إن المال العام في الدول ذات الرمزية الدينية، وعلى رأسها أرض الحرمين، لا يخص مواطنيها وحدهم، بل يحمل بعداً معنوياً يتصل بالأمة كلها، لأن تلك الأموال تُدار في فضاء له مكانته في وجدان المسلمين، وأي إسراف فيه يُقرأ على أنه استخفاف بمعاناة الأمة، ورسالة معاكسة لقيم التكافل والزهد والعدل التي قام عليها الإسلام.

والأخطر من الإسراف ذاته هو شرعنته خطابياً، وتسويقه بوصفه “تنشيطاً اقتصادياً” أو “ترفيهاً مشروعاً”، في حين أن الاقتصاد الحقيقي لا يُبنى على المجون، ولا تُعالج الأزمات بالرقص، ولا تُخلق التنمية المستدامة عبر استنزاف الموارد في مشاريع لا تنتج علماً، ولا صناعة، ولا اكتفاءً ذاتياً. فالاقتصاد الذي ينمو بلا قيم، ينتهي إلى فراغ، ويعمّق الفجوة بين القلة المترفة والكثرة المحرومة.

إن واجب المسلمين، علماء ومفكرين ونخباً وشعوباً، هو إعادة التذكير بأن المال العام مسؤولية شرعية، وأن توجيهه يجب أن يكون نحو:

محاربة الفقر

دعم التعليم والبحث العلمي

بناء منظومات صحية قوية

تمكين المجتمعات اقتصادياً

إغاثة المنكوبين في العالم الإسلامي

فذلك هو الاستثمار الحقيقي الذي يرضي الله، ويخدم الإنسان، ويحفظ الاستقرار.

وفي المحصلة، فإن العبث بالمال العام في زمن الحاجة ليس مجرد خطأ إداري أو خيار سياسي مختلف عليه، بل انحراف أخلاقي وشرعي صريح، يناقض نصوص القرآن وروح الشريعة ومقاصدها، ويكشف خللاً في ترتيب الأولويات. فالأمة التي تُهدر ثرواتها في اللهو، بينما يجوع أبناؤها، إنما تؤسس لانهيار قيمي قبل أن يكون اقتصادياً، وتستبدل رسالة الاستخلاف بثقافة الاستهتار، وهو ما حذّر منه الإسلام منذ أربعة عشر قرناً.

ونحن نحذر المملكة من معبة التمادي في هذا المجون وهدر أموال المسلمين على التعري والخلاعة. فهي لذلك تتحمل المسؤولية الاخلاقية ومسؤولية تبذير ثروة في طريق لاترضي الله ولاالرسول ولا عامة المسلمين. وهو مايفرض واجب الخروج على النظام في المملكة باعتباره خارج عن الشريعة الاسلامية والواجب الانساني كماهو معصية لله في أطهر بقاع الارض.


التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال