عماد الشيباني
كما أن للإنسان العادي ثوابت في حياته، تتمثل في الأسرة وبنائها، والمسكن، والمعيشة، وتوفير أسس البقاء، والحفاظ على نفسه من الضرر، فإن للسياسة وقيادة الدولة ثوابت لا تقل أهمية.
فالثوابت هي التي لا تتغير، وتشمل المبادئ والأهداف الأساسية والاستراتيجية، مثل: السيادة، والمصلحة الوطنية، وجلب الاستقرار الاجتماعي والبنيوي للدولة، والدفاع عن أمن البلد ووحدة أراضيه، وجعل المواطن أولوية قصوى في السياسات العامة، فضلًا عن الحفاظ على القيم الثقافية والتاريخية للمجتمع، وإيجاد السبل الكفيلة بضمان الاستقلال والأمن، وتشريع القوانين واللوائح التي تسهم في نهضة الدولة وتطورها.
في المقابل، هناك متغيرات كثيرة، من أبرزها العامل الدولي والإقليمي، والصراعات والحروب، وتدافع المصالح، وظهور قوى وأفول أخرى، إضافة إلى التطور التكنولوجي، وتطور وسائل الإعلام والتواصل، وما يترتب على ذلك من تأثير مباشر في الرأي العام الدولي والداخلي.
وتنعكس هذه المتغيرات على طبيعة العلاقات والتحالفات والتكتلات الدولية، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في شكل العلاقات بين الدول، بما ينسجم مع الواقع المتغيّر.
ومن العوامل المتغيرة أيضًا تغيّر احتياجات المواطن وضرورة الاستجابة لها، وهو ما يتطلب من قيادة الدولة القدرة على تبديل وتعديل السياسات التكتيكية دون المساس بالثوابت الاستراتيجية، وذلك عبر فهم الواقع والتحولات الإقليمية والدولية والتكيّف معها. ولا يدل هذا التكيّف على ضعف أو تراجع، بقدر ما يعكس قدرة على التحدي والفهم، لتحقيق الأهداف مع التمسك بالثوابت.
وقد قيل في هذا السياق: «لا تكن ليّنًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر»، وكذلك ينبغي ألّا يتأثر المتصدّي بالإعلام المضاد الذي يسعى إلى دفعه نحو الصدام، بما يؤدي إلى تخريب الاستراتيجية وهدم الثوابت.
وما يجري في الساحة السياسية العراقية يُعدّ نموذجًا واقعيًا لهذه السردية؛ إذ غالبًا ما تُفسَّر المرونة على أنها ضعف، ويُصوَّر التفاوض على أنه انكسار، مع تغييب للأولويات، وفي مقدمتها الحفاظ على الدولة وسيادتها ومكتسباتها، ورعاية مصالح أفرادها ومواطنيها، فضلًا عن التأخّر في اتخاذ القرارات الصائبة، وهو ما يؤدي إلى ضياع الفرص وإهدار الوقت الذي تحتاجه الدولة لاستكمال عملية البناء.
إن الظروف المحيطة بالعراق، والتحالفات والاتفاقيات المقيّدة، وفرض الإرادات بالقوة العسكرية الغاشمة، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية المفتعلة لخدمة مصالح سياسية، كلها عوامل تستوجب من صانع القرار التوقف عندها، وإبداء قدر من المرونة والتماهي مع سياسات الضغوط القصوى، وهو ما يُعدّ عين الحكمة في التركيز على الثوابت والعمل بواقعية مع المتغيرات. فالتعامل مع المتغير وأنت عزيز خير من التضحية بالثوابت وأنت أسير.
ولا يحتاج البلد إلى وسطاء أو مبعوثين لتذكير السياسيين بثوابته، التي يجب أن تكون في صدارة الأولويات، وفي مقدمتها: سيادة الدولة، ودعم الجيش، والحفاظ على المكتسبات، وتعزيز السبل الكفيلة بالنهوض بالواقعين الاقتصادي والسياسي، وحصر قرار الدولة بمؤسساتها الشرعية، وهي موجودة بالفعل رغم بعض الإخفاقات التي لا تستعصي على الحل.
كما تبرز معضلة حصر السلاح بيد الدولة، والتي بدأت تتضح بشأنها مؤشرات إيجابية من خلال تصريحات القادة السياسيين، الذين أعلنوا بوضوح نواياهم ولم يبدوا معارضة لهذا التوجه. غير أن الدفع الإعلامي المسيّس، والضغط الصهيوني على صانع القرار الأمريكي، أسهما في تهويل الملف أكثر مما هو عليه في الواقع، فضلًا عن التصريحات الاستفزازية التي ابتعدت عن الإجراءات والحلول العملية.
وقد جرى إدخال هذا الملف ضمن دائرة الصراع الإقليمي والدولي، بل وحتى بعض التصريحات الداخلية اتخذت منحى تصادميًا بعيدًا عن جوهر القضية، في إطار تصفية حسابات سياسية وتحقيق مكاسب مصلحية، على حساب الروح الوطنية والمصلحة العامة. في حين أن مجرد إعلان النوايا الصادقة كفيل بحل الإشكال، ونقله إلى حيز الآليات التنفيذية ضمن السقف العراقي، وبما يحقق مصلحة الدولة ويحفظ سيادتها.
