قيس العجرش ||
تورط الغرب الليبرالي في أسلوب قيادة الحضارة الإنسانية بعد انتهاء الحرب الباردة، وكل عملية قيادة تستلزم بالضرورة قمع رؤية الآخرين(من غير المُنتصرين) إلى غاية حدودٍ يقدّرها القائد الناجح. ووجهُ الورطةِ أن الليبرالية الحديثة تمددت لتحاول الاستحواذ على كل مساحة ممكنة للتجارة والربح والكسب وتحقيق فائض القيمة، تحت تأثير خاصية بسيطة لا اسم آخر لها سوى( الطمع ).
الليبرالية تتراجع وتخسر، بل إنها تنتكس فعلياً. وقد كتب في هذا المعنى عشرات الكتّاب والمفكرين المعاصرين في الغرب ذاته. وأقدّر أنّ أوضح من كتب في ذلك هو ادوارد لوس/Luce، لكن التراجع ليس لعموم الليبرالية، إنما هو بلاء ابتليت به النسخة الغربية المعاصرة منها، التي تضمر كراهية من نوع خاص للمختلف عنها، وتحتال( على طريقة احتيال تطبيقات آي فون على المستهلكين), كي تحارب هذا الاختلاف وتبرزه.
قبل سنوات برزت قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد(ص)، وحدثت موجة عارمة من الاحتجاجات، ربما كانت ذروتها في جريمة قتل محرري صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية.
والمضمر في تلك الرسوم( التي لا علاقة لها بالفكاهةةفعلياً), هو رسالة ليبرالية حديثة وخطرة للغاية، مفادها أنك إذا تقبّلت السخرية من محمد، كما نفعل نحن أحياناً مع المسيح، فإنك ستكون عضواً جديراً بالعضوية في المجتمع الليبرالي( بنسخته الأخيرة), أما إذا احتججت وشعرت بالإساءة فهذا يعني أنك لم تلبس لبوس حداثتنا بعد، واننا قد كشفناك!.
عليك أن تقبل الإهانة( ما تسميه أنت بالإهانة), حتى تكون عضواً له مقعد في قطار الحضارة، هذا هو الشرط الجديد المحدّث.
استحضر هنا تعليق وزير الخارجية الروسي لافروف عن( النظام العالمي الجديد)، الذي بشّرت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ يقول: سمعنا بهذا النظام واستفسرنا عن مواصفاته، لكننا كلما نلتقي بالاميركيين نجدهم قد غيروا هذه المواصفات واضافوا لها متطلبات جديدة.
الهوس الغربي الحاضر بحقوق المثليين لا يبتعد في الحقيقة عن هذه الدائرة ذات المحركات والدوافع السياسية, فالليبرالية الغربية التي تزداد يوما بعد يوم تناقضاتها، بدأت تقصر العضوية في ركب( الحضارة)، على مدى القبول بالحريات التي هم يصفونها للمثليين( أنا اسمّيهم شواذاً ومرضى نفسيين). وكانت مناسبة كأس العالم في قطر بمثابة عرس للإعلام العربي كي يطرح هذه الأسئلة على المنظمين القطريين، لكن قطر تستطيع دفع الحرج بالاموال وفي بعض الأحيان فرض إرادتها بنفس الوسيلة، لأن الليبرالية الجديدة لا تقاوم المال أبداً.
من هذا الصراع الاجتماعي نخرج بنتيجة، أن الدوائر الغربية الليبرالية و( الديمقراطية), المتراجعة أمام التقدم اليميني، قد وجدت ضالتها في معركة محرجة تمتحن بها الخنادق، الأمر يشبه اختبارات عصابات المافيا حين يطلبون من العضو الجديد قتل صديق له مخالف لتوجهاتهم، على سبيل إثبات الولاء للمنظمة.
والمطلوب منّا كشرقيين أن نثبت الجدارة للغرب الليبرالي المهزوم، أننا من أهل الولاء لكل ما سبق أن وضعه كمحددات لمفهوم المجتمعات المتحضرة، والولاء ايضا لكل ما سيضعه الغرب من شروط للانتماء لهذا الركب مستقبلاً.
معادلة يبقى فيها من خسر أجداده الحرب لاهثاً لنيل رضا من ربح أجداده عناصر القوة.
حتى لو اضطر للقبول بأشد علامات العار والخزي الاجتماعي، أو أن يهدم متطوعاً مفهوم العائلة، أو تمييز الطبيعة للذكر والأنثى. كلها تهون لخاطر إصدار هوية (متحضّر عامل) ٱخر موديل، مصدّقة من السفارة.