عمار محمد طيب العراقي ||
نعم القصة بعيدة زمنيا نسبيا، فبعد ولادة الإسلام بعدة أعوام، وفي هذا المقطع من التأريخ، نقف وقفة المتفحص لقيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بتولية الصحابي الشاب أسامة بن زيد، إمارة الجيش الإسلامي، حيث أرسله النبي لتأمين حدود شبه الجزيرة العربية من هجمات الروم..
نقف هناك ونحن نرى النبى الكريم، يجول ببصره، وهو يرى دولته الإسلامية مهددة من قبل الروم، وان هذاا التهديدد سيعصف بدولته، وهي لما تزل وليدة، وأن رسالته قاب قوسين أو أدنى، من أن تتعرض لعاصفة الروم المسيحيين، وأن الرسالة الإسلامية تواجه عدوا قويا، مسلحا مدربا مشاركا بعدة حروب، فضلا عن أن ما تحقق من نشر الرسالىة الإسلامية ليس كافيا، لذلك اختار الرسول الكريم بوابة جهاد متمرسة موثوق ولائها، ليقود جيش الوقوف بوجه الجبروت المسيحي..
“اسامة بن زيد” كان مولى الرسول الكريم، شاب في العشرين من عمره، حبرة جيدة، وعرف عنه حبه لغقيدته، وقدراته القتالية المتمرسة، وطاعته المتفانية للرسول الأكرم..طاعة بيت تربى في تخومه، مستعد لكل ثمن حتى لو كان حياته..قضلا عن كونه ذا تجربة جهادية متفانية، ارتضعها مع أولات اللبن الذي ارتضعه..لقد كان اسامة نعم الإختيار من قبل رسول الله، وعلى الرغم من أعتراض المعترضين، وشكيمة الحاقدين..الذين قالوا: أتؤمر علينا فتيا يا رسول الله..قال نعم..!
الرسول العظيم جعل الجيش لأسامة بن زيد، من أجل تأمين حدود دولته، وكان الصحابى المكلف شابا لم يتجاوز عشرين من عمره، وحيث أمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء، والموطوء من أرض فلسطين، وأن يفاجئ العدو، قبل أن يستعد لخوض المعركة، فتحل به الخسائر..
يقول الكاتب المصري الدكتور سامى بن عبد الله المغلوث، سفير السعودية لدى الأردن، في كتابه أطلس حروب الردة: فى عهد الخليفة الراشد أبى بكر كان أسامة، مفطورا على حب الجهاد والخروج إلى الغزو، شجاعا مقداما منذ نشأته، فخرج مع النبى عليه الصلاة والسلام، فى غزوة أحد، لكنه رده لصغر سنه، ثم شارك فى “الأحزاب” بعد أن أشتد عوده، واشترك مع أبيه زيد بن حارثة فى غزوة مؤتة..كان ممن ثبت مع النبى فى “حنين”، حين تفرق المسلمون فى الجولة الأولى من المعركة وفر منهم من فر..!
لقد كان أسامة حقا لها..!
كان الأمر في شهر صفر من السنة الحادية عشرة من الهجرة، والمأمور هو الفدائي البطل أسامة بن زيد بن حارثة بتجهيز هذا الجيش، وأمره أن يتوجه نحو البلقاء من أرض الشام، بقصد “إرهاب” دولة الروم وأيقافها عند حدها، ومن ثَمَّ إعادة الثقة إلى قلوب العرب المقيمين على حدود تلك الدولة.
مؤهلات هذا الفدائي البطل، لم تشفع عند “الصحابة” لقيادة الجيش، فرأوا فى هذه التولية رأيا، وقالوا أيستعمل هذا الغلام على المهاجرين والأنصار؟! فلما بلغت النبى هذه المقالة، وجيش أسامة مقيم بالجرف، غضب غضبا شديدا، وكان فى مرض الموت، فأمر نساءه أن يرقن عليه الماء، حتى تهدأ الحمى، وخرج متحاملا على نفسه، وصعد المنبر، ثم قال: أما بعد، أيها الناس فما مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأميرى أسامة، فوالله لئن طعنتم فى إمارتى أسامة، لقد طعنتم إمارتى أباه من قبل، وأيم الله إنه كان للإمارة لخليق، وإن ابنه من بعده لخليق بالإمارة.
لقد كان كبرياء دولة الروم المسيحية بالعنوان، فقد كانت تأبى حق الحياة على كل من آمن بالله ورسوله، وتمنع كل من أراد أن يدين بدين الإسلام، وينفك من أسر الجاهلية..وقد حملها هذا الموقف المتجبر، على قتل كل من كان يريد أن يدخل في الإسلام من أتباعها.
لقد كان زيد بن حارثة والد أسامة، حازما قويا مخلصا لعقيدته، وكان قويا نشطا فاعلا مؤثرا، واسس ما لديه لولده الفذ الشجاع، وكان حقا له ولولده ان يكونوا أمراءـ على مسلمين مؤلفة قلوبهم، أسامة رضي الله عنه كان فتى صغيرًا في حدود الثامنة عشر من عمره. ومع ذلك فلا الصغر ولا الرق القديم، منع رسول الله من أن يجعله أميرًا على عامة الصحابة، وفيهم أصحاب الهجرة وأصحاب النصرة، في غزوة مهمة جدا، كانت وجهتها خارج جزيرة العرب، وإرادتها مواجهة دولة عظمى كدولة الروم!
ولئن وَجَد المنافقون، والذين في قلوبهم مرض، في تصرف الرسول مثارا للتعجب والاستنكار، فإن شريعة الإسلام لا تقيم اعتبارًا لمعايير البشر، ولا تقيم وزنا لمقاييس الجاهلية، والإسلام جاء ليحطم تلك المعايير الجاهلية، وليقضي على تلك المقاييس البشرية، التي يستخدمها الناس للمفاضلة بين البشر، وقياس درجة التفاوت بينهم .
الحقيقة التي لم يفهمها كثيرون الى اليوم، هي أن الرسول كان مؤسسا لعصر الإمامة الدائم، وكانت اولى “فدائيات” التفكير الإسلامي بمعركة الوجود الدائم، فلقد كان رسول الله يؤسس دينا بأمر الله تعالى، هو آخر الأديان السماوية، وبه سيغلق كتاب النبوة الى الأبد، ليفتح بعده كتاب الأمامة حتى يقوم القائم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
مقالنا القادم..الإمامة والنبوة ومعايير التفكير..