المهندس علي جبار ...
إدارة الرئيس دونالد ترامب اشتهرت باتباع "نظرية الحافة" في تعاملها مع القضايا السياسية والاقتصادية، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي. هذه النظرية تعتمد على دفع الخصوم أو الشركاء إلى حافة الانهيار أو الأزمة، ثم استخدام هذا الضغط للحصول على أقصى تنازلات ممكنة.
كيف تجلت "نظرية الحافة" في إدارة ترامب؟
التفاوض بأسلوب "كل شيء أو لا شيء"
• ترامب يتعمد التصعيد الحاد في البداية، لجعل الطرف الآخر يشعر بأن الخسائر ستكون كارثية إذا لم يقدم تنازلات.
• عندما يصل الطرف المقابل إلى مرحلة التردد أو الضعف، يقوم ترامب بخفض مستوى التصعيد قليلًا، مما يجعل أي تنازل منه يبدو وكأنه حل وسط، في حين أنه حقق مكاسب كبيرة.
مثال: مفاوضات نافتا (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية)
• هدد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة بالكامل، مما دفع كندا والمكسيك إلى تقديم تنازلات كبيرة لصياغة اتفاقية جديدة (USMCA) بشروط أكثر فائدة للولايات المتحدة.
الضغط الأقصى (Maximum Pressure)
• ترامب يرفع سقف التهديدات والعقوبات إلى أعلى مستوى ممكن، ثم ينتظر حتى يصل الطرف الآخر إلى نقطة الانهيار.
• يعتمد على الوقت والصبر لجعل الخصوم يشعرون بالعزلة الاقتصادية والسياسية، مما يدفعهم في النهاية إلى التفاوض وفق الشروط الأمريكية.
مثال: العقوبات على إيران
• انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، ثم فرض عقوبات اقتصادية خانقة، مستهدفًا الاقتصاد الإيراني بالكامل.
• نتيجة لذلك، تراجع الاقتصاد الإيراني، وزادت الضغوط الداخلية، مما دفع طهران إلى قبول بعض التنازلات، مثل الحد من أنشطتها العسكرية في بعض المناطق.
خلق أزمات مفتعلة ثم تقديم حلول
• يقوم ترامب بإشعال أزمة أو إظهار استعداده لاتخاذ قرار غير تقليدي أو خطير، مما يجعل الجميع يشعر بالخطر.
• بعد تصعيد الأزمة، يقدم حلاً وسطًا يبدو وكأنه تراجع، لكنه في الواقع يكون قد حصل على مكاسب كبيرة دون أن يخسر شيئًا جوهريًا.
مثال: ملف كوريا الشمالية
• هدد ترامب بشن حرب ضد كوريا الشمالية ووصف زعيمها كيم جونغ أون بأنه "رجل الصواريخ المجنون".
• بعد تصعيد غير مسبوق، فاجأ الجميع بعقد قمة تاريخية مع كيم، مما جعله يظهر كزعيم عالمي قادر على صنع السلام، رغم أنه لم يقدم أي تنازلات حقيقية.
________
استغلال عدم القدرة على التنبؤ به
• ترامب يتعمد إظهار نفسه على أنه لا يمكن توقع خطواته القادمة، مما يجعل خصومه غير قادرين على وضع استراتيجيات ثابتة ضده.
• هذه السياسة تجعل الآخرين مترددين في المواجهة معه، لأنهم يخشون أنه قد يتخذ قرارات متطرفة وغير منطقية.
مثال: الحرب التجارية مع الصين
• فرض ترامب تعريفات جمركية ضخمة على الصين، مما هدد الاقتصاد العالمي.
• لم تكن بكين متأكدة مما إذا كان ترامب مستعدًا لتصعيد الحرب التجارية إلى أقصى حد، مما دفعها إلى تقديم تنازلات تجارية، مثل زيادة مشترياتها من المنتجات الأمريكية.
كيف يمكن أن تنعكس "نظرية الحافة" على العراق؟
إذا طبق ترامب هذه النظرية في تعامله مع العراق، فمن المتوقع أن:
يزيد الضغوط الاقتصادية والسياسية على الحكومة العراقية، مثل التهديد بقطع المساعدات أو فرض عقوبات على قادة سياسيين.
يدفع العراق لاتخاذ قرارات صعبة، مثل تقليل تعاونه مع إيران أو تقديم امتيازات اقتصادية للشركات الأمريكية.
يستخدم القوة العسكرية كورقة ضغط، من خلال تعزيز وجود القواعد الأمريكية أو التهديد بتحرك عسكري محدود ضد بعض الفصائل المسلحة.
الخلاصة
"نظرية الحافة" جعلت إدارة ترامب مختلفة عن الإدارات التقليدية، حيث اعتمدت على التصعيد ثم التراجع الاستراتيجي لتحقيق أقصى مكاسب. هذه السياسة خلقت توترًا عالميًا لكنها في كثير من الحالات أجبرت الخصوم على تقديم تنازلات كبيرة.
السؤال المطروح الآن:
هل ستتمكن الدول المستهدفة، مثل العراق، من تفادي الوقوع في هذه اللعبة، أم أنها ستجد نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات؟
