جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف الإفطار في سجن أبي غريب..!

الإفطار في سجن أبي غريب..!

حجم الخط

 


محمد صادق الهاشمي ||


طافت بي الذّكريات ، وعادت وجوه أخوتي رفاق السّجن ، وعاد شهر رمضان هذا ليطوف بي في عالم الموت في السّجون والمعتقلات ، وحطّت بي الذّكريات إلى المائدة التي كنّا نفطر عليها.

يأتي في الصّباح في لهيب شهر آب اللّهاب « الذي فيه ينبت المسمار في الباب» يأتي مَنْ يوزّع وجبة الصّباح «الشّوربة» نستلمها مع الكلمات النابية ، ومع حرّ يستلّ أرواحنا من أجسادنا ، وكلّ مَنْ في السّجن صيام .

وعند موعد الإفطار نستخرج «الشّوربة» من «سطلٍ» هو أقرب إلى سطل نفايات ، صُنع من النايلون ، وقد بلغ عمره عشر سنوات ، فقد قضينا 10 سنوات وهذا السّطل نفسه يرافقنا.

نجد الشّوربة قد تعفّنت وانتفخت وعادت مادّة سمّية قاتلة تصلح للموت , لكنْ لا حيلة لنا غيره ، فماذا يفعل الصّائمون الذّين أرهقهم يوم قائظ ، وحرّ شديد ، وجوع ينخر عظامهم .

ومجرّد أن نتناول الوجبة اضطرارا حتّى ينسلّ الجميع إلى الحمّام الواحد تلو الآخر مع ألمٍ شديدٍ ومغصّ قاتل ، نأنّ داخل الزنزانة التي هي الأخرى قد تعفّنت بأجساد أربعين شابّاً مريضا مرهقا مهزولاً جائعاً محزوناً .

نجلس بعدها بكلّ أدب وخلق وقبول حسن لمّا قدره الله أنْ نكون سجناء العقيدة ، وتنطلق حناجر القوم بدعاء الافتتاح :

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّنَاءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوَابِ بِمَنِّكَ ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ والرّحمة»، وكنت استشعر الفرح حينما يصل بنا مطاف الدّعاء «فَكَمْ يَا إِلَهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَهَا ، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَهَا ، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَهَا وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَهَا» ، وكان يزيدنا صبراً وثباتا قوله : « … فَإِنْ أَبْطَأَ عَنِّي عَتَبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ الْأُمُورِ…»، وقوله : « الْحَمْدُ لِلَّهِ قَاصِمِ الْجَبَّارِينَ مُبِيرِ الظَّلَمَةِ مُدْرِكِ الْهَارِبِينَ نَكَالِ الظَّالِمِينَ صَرِيخِ الْمُسْتَصْرِخِينَ مَوْضِعِ حَاجَاتِ الطَّالِبِينَ مُعْتَمَدِ الْمُؤْمِنِينَ».

وتتعالى أصوات البعض خشوعا بالبكاء ، ثمّ يتمّ استخراج الشّاي الذي استلمناه منذ الصباح في «دولكة» لنأخذ كلّ واحدٍ منّا رشفة.

كان الأمل يحيط بنا وشعورنا بأنّ ما نحن فيه بعين الله ، ولاجل الدّين والوطن والحرية , وينطلق السّيد هادي الشّوكي (رحمه الله) بصوته الرّخيم ببعض ما تختزنه ذاكرته من رثاء حسينيّ إلّا أني أجد الشّباب تتعالى أصواتهم بالبكاء حينما يقرأ : « يمّه اذكريني من تمرّ زفة شباب ….حنتي دمي والجفن ذاري التراب».

وكان شاعرنا الآخر – أتذكّر اسمه «حداد» من العمارة – يخاطب الحجّة (عجّل الله فرجه): «ما مرّ الك خبر ما مرّ …صدرك دامي المنحر» ، هؤلاء الشّهداء السّجناء قاماتُ المجد واليوم علينا أنْ نكرّمهم بكلّ ما للتكريم من مصاديق ، من مال وذكر كريم .

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال