فتحي الذاري ||
في عالم السياسة، تتبدل المواقف وتتغير الوعود، لكن ما يثير الدهشة هو أن هذا التغير يأتي من شخص مثل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي أثبت خلال فترة حكمه أن بوسعه استغلال الظروف لصالحه بطرق غير مسبوقة،
تمامًا كما يستغل المزارع العجول في قريته. فترامب، عبر وعوده الزائفة بضرب إيران، استدرج العديد من الدول العربية؛ مما جعلها تعتقد أنها ستحصل على الدعم في مواجهة التهديدات الإيرانية المزعومة.
خلال الأسابيع الماضية، انقلب ترامب على كل تلك الوعود، وعاد إلى نقطة البداية، حيث ألغى فكرة الحرب التي كان قد وعد بها، وبدلًا من حديثه الدائم عن الضربة القاصمة ضد إيران، أصبح حديثه عن السلام وما بعد السلام، ليس إلا مجرد خديعة جديدة. لقد خذل ترامب هذه الدول التي حلبها تحت ذريعة مواجهة الخطر الإيراني،
حيث شعر معها بأنها قد استنفدت كل ما لديها من أمل ومستقبل في استقرار المنطقة، في بناء مشروع “كيان إسرائيل الكبرى” أو “الشرق الأوسط الجديد.
استطاع ترامب أن يُمارس سياسة حلب منظمة على مستوى عالٍ، حيث استغل قلق هذه الدول من التمدد الإيراني وأشعل شعلة الصراع ليظهر بمظهر المنقذ، بينما كان كل ما يقوم به هو التحضير لاستنزاف مقدرات هذه الدول المالية عبر الوعود الكاذبة.
الحديث الآن لم يعد عن “الضربة الماحقة” كما كان يُفترض، بل تحول إلى مفاوضات و”مشاريع سلام” مع إيران، وهو ما يظهر تناقض سياسة ترامب، ويؤكد عدم وجود استراتيجية ثابتة واضحة.
الأسئلة التي تطرح نفسها هي هل كان ترامب يعرف أنه يدفع بهذه الدول إلى حافة الهاوية دون أي خطة واقعية؟
أم إنه كان لاعبًا ماهرًا في لعبة الشطرنج السياسية، يخدع الخصوم ويستفيد من الفوضى؟
الحقيقة أن ترامب قد “لعبها صح”، حيث استغل لحظة ضعف إيران في ظل الحصار والضغوط الاقتصادية ليحقق مكاسب مباشرة من دول الخليج مقابل كذبة الحرب.
بالمقابل، كان رد الفعل الإيراني على تلك التحركات مُبهرًا، حيث تحدت طهران المجتمع الدولي بلهجة هجومية غير مسبوقة، مهددةً بضرب القواعد الأمريكية والدول الداعمة لها. هذا التحدي وضع ترامب في موقف محرج، إذ كان عليه أن يعيد التفكير في خياراته بعدما رأى رد الفعل القوي من إيران على كل الضغوط
ولعل أسوأ ما يمكن أن يُقال عن ترامب وسياساته هو أنه لم يدرك أن القوة المفرطة ليست دواءً سحريًا، فحتى التحالفات العسكرية المشتركة بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكيان الاحتلال الإسرائيلي لم تستطع مواجهة الحوثيين في اليمن، فما بالك بإيران التي تمتلك قدرات عسكرية عالية؟
كيف لترامب أن يخطط لضرب إيران دون اعتبار لما قد يحدث بعد ذلك من ردات فعل؟
هل سيكون بإمكان أمريكا تحمل آلاف الصواريخ الإيرانية التي يمكن أن تسقط على قواعدها العسكرية؟
إن ذكرى الضربات الصاروخية الإيرانية على قاعدة عين الأسد لا تزال حاضرة في الأذهان، ولعلها واحدة من أبرز الأسباب التي جعلت ترامب يتراجع عن خططه.
يبدو أن ترامب قد حقق نجاحًا في حلب الدول العربية، ولكنه فشل فشلًا ذريعًا في بناء سياسة خارجية قائمة على التفاهم والاستقرار.
استغلاله للقلق الإقليمي لم يجلب له سوى الانتقادات، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت النتائج النهائية لتلك السياسات ستقود إلى ركود بدلاً من تحقيق السلام الذي وعد به. تبقى تجربة ترامب درسًا للجميع، حيث يجب أن نتعلم كيف يمكن ألا تكون الطموحات السياسية خيالًا يقوم على الاستغلال والكذب.