محمود المغربي ||
يعلم الجميع الماضيَ الاستعماريَّ الأسودَ والبغيضَ لبريطانيا، التي أعادتْ رسمَ خريطةِ العالم، وأوجدتْ دولًا وكياناتٍ، وقسَّمتْ دولًا وشعوبًا.
وهي مَنْ أوجدتِ الكيانَ الصهيونيَّ ودولَ الخليجِ بشَكْلِها الحالي، وهي الأمُّ التي أنجبتْ ملوكَ ومشايخَ وأمراءَ الخليج. وهي مَنْ رسمتِ السياساتِ التي يسيرُ عليها حُكَّامُ الخليج، وهي مَنْ صاغتِ القوانينَ وجعلتْ – على سبيل المثال – النظامَ السعوديَّ يتبنَّى ويُرَاعي الفكرَ الوهابيَّ، وجعلتْ قطرَ ترعى الفكرَ الإخوانيَّ، وهي مَنْ أشارتْ على الإماراتِ بتقديمِ الدعمِ لبعضِ الجماعاتِ الصوفيةِ، وهي مَنْ جعلتْ سلطنةَ عُمانَ تَلْتَزِمُ الحيادَ، والكويتَ تنتهجُ سياسةَ العطاءِ وتقديمِ الدعمِ لبعضِ الدولِ الفقيرةِ. وكلُّ ذلك لشيءٍ في نفسِ يعقوبَ.
ومن المعروفِ عن بريطانيا أنها الأكثرُ خبثًا ودهاءً ومكرًا، وأنها تتمتعُ بنفسٍ طويلٍ في إدارةِ الصراعاتِ وصنعِ المكايدِ والمؤامراتِ الفتَّاكةِ، ولها أساليبُ هدَّامةٌ.
فعلى سبيل المثال، عندما تستعمرُ أو تسيطرُ على بلدٍ، وترغبُ في خلقِ وكلاءَ وأدواتٍ وعملاءَ لها من أبناءِ تلك البلادِ، لا تستعينُ بمن هم أصحابُ سلطةٍ وجاهٍ ونفوذٍ، بل تصنعُ رموزًا وشخصياتٍ جديدةً، ولا تختارُ شخصياتٍ من عائلاتٍ محترمةٍ أو مشايخَ أو من النخبةِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والفكريةِ. فهي تعلمُ أن هؤلاءِ عندهم خطوطٌ حمراءُ وثوابتُ وطنيةٌ وأخلاقيةٌ واجتماعيةٌ، ومهما كان ولاؤُهم لها، إلا أنهم سيرفضون تنفيذَ جرائمَ بحقِّ وطنِهم وشعبِهم، ولن يقبلوا تنفيذَ أجندةِ بريطانيا في تقسيمِ وتفتيتِ وطنِهم.
ولتفادي ذلك، كانت بريطانيا تبحثُ عن الشخصياتِ المهمَّشةِ والمنبوذةِ، والتي تحملُ شعورًا بالنقصِ وعُقَدًا ونفسيةً ساخطةً وحاقدةً على الوطنِ والمجتمعِ، وتقدِّمُ لهم الدعمَ والإمكانياتِ للبُروزِ وتصدْرِ المشهدِ، وتعملُ على ترميزِ هؤلاءِ وإيصالِهم إلى مواقعَ قياديةٍ وإلى السلطةِ، وتجعلُهم يرتكبون جرائمَ وخياناتٍ، وتُحْفِظُ بذلك لنفسِها، لتجعلَ من تلك الأشياءِ نقاطَ ضعفٍ وضغطٍ على هؤلاءِ الأشخاصِ. وتضعُ حولَهم شخصياتٍ مماثلةً لهم لتشكيلِ مزيدٍ من الضغطِ عليهم، وحتى يكونوا بدائلَ لهم في حالِ تراجُعِهم أو تقاعُسِهم عن تنفيذِ توجيهاتِها.
وبذلك تكونُ بريطانيا قد صنعتْ لها أدواتٍ وعملاءَ وخونةً من اللا شيءِ، مستعدينَ لفعلِ أيِّ شيءٍ تأمرُ به بريطانيا دونَ ترددٍ، كونَهم يحملونَ نفسيةً مريضةً وحاقدةً، وحتى لا يفقدوا ما أصبحوا عليه، وخوفًا من أن تكشفَ بريطانيا ما ارتكبوه من جرائمَ وأخطاءَ وخياناتٍ.
وقد انتهجَ النظامُ الإماراتيُّ – خصوصًا محمدُ بنُ زايد – هذا النهجَ البريطانيَّ الخبيثَ، ونفَّذَهُ في عددٍ من الدولِ، ونجحَ في ذلك بشكلٍ كبيرٍ في اليمنِ.
ولو نظرنا في الأشخاصِ الذين أوجدَتْهم الإماراتُ في اليمنِ، وجعلتْ منهم قادةً ومسؤولين، لوجدنا أنهم من تلك العيِّنَةِ المهمَّشةِ والمعقَّدةِ، والتي تحملُ نفسيةً مريضةً، وممن لم يكن لهم أيُّ أهميةٍ أو مكانةٍ اجتماعيةٍ. وهم على استعدادٍ لعملِ أيِّ شيءٍ في سبيلِ إرضاءِ محمدِ بنِ زايدَ. وهؤلاءِ لا يمكنُ المراهنةُ على ضمائرِهم أو وطنيتِهم أو إنسانيتِهم أو شرفِهم، لأنهم لا يمتلكون شيئًا من ذلك.