عامر جاسم العيداني ||
تساؤل من مراقب: هل يُعدّ ميناء الفاو الكبير المشروع المحوري لإعادة هيكلة قطاع النقل البحري وسلاسل التوريد في العراق .. بهذه الأرصفة الخمس فقط .. أم انها احلام وردية للمسؤولين العراقيين بعد أن كان من المقرر بناء ١٠٠ رصيف ؟
يُعد ميناء الفاو الكبير أحد أضخم المشاريع الاستراتيجية في العراق والذي يُنتظر أن يكون نقطة تحول في قطاع النقل البحري وسلاسل التوريد، ليس فقط على المستوى المحلي بل أيضاً على مستوى المنطقة خاصة ، والربط بين الشرق والغرب عامة .
لكن بين الطموحات الكبيرة والواقع المعقد يبرز سؤال جوهري، هل المشروع في شكله الحالي (بأرصفته الخمس فقط) قادر على تحقيق هذه الأهداف، أم أن العراقيين يواجهون وعوداً بعيدة عن الواقع خاصة بعد أن كان المخطط الأصلي يتضمن بناء 100 رصيف؟
الرؤية الأصلية لميناء الفاو
لقد تم التخطيط لميناء الفاو الكبير ليكون واحداً من أكبر الموانئ في المنطقة، حيث كان من المفترض أن يشمل 100 رصيف بطول 56 كيلومتراً وبقدرة استيعابية تصل إلى 99 مليون طن سنوياً وعمق مائي يصل إلى 19 متراً، مما يسمح باستقبال السفن العملاقة، يعني كل رصيف يستوعب مليون طن تقريبا.
ويحتاج الى ربطه بشبكة سكك حديدية وطرق برية متطورة مع المحافظات العراقية والدول المجاورة، وهذا يتم عبر مشروع طريق التنمية المزمع تنفيذه حسب خطط الحكومة الاتحادية والذي تعمل عليه مع دول اخرى مثل تركيا وقطر .
والهدف هو تحويل العراق إلى مركز لوجستي إقليمي، وتخفيف الاعتماد على موانئ الجوار (مثل موانئ إيران والكويت) وتقليل تكاليف الاستيراد وتعزيز الصادرات غير النفطية.
الواقع الحالي
في عام 2024 أعلنت الحكومة العراقية عن افتتاح المرحلة الأولى من الميناء، والتي تضم خمسة أرصفة فقط مع خطط لتوسيعها تدريجياً، لكن هذا التخفيض الكبير في العدد أثار تساؤلات حول القدرة التشغيلية المحدودة للأرصفة الخمس التي لا تكفي لاستيعاب الطموحات التجارية واللوجستية للعراق خاصة مع تزايد حجم التجارة العالمية ومع وجود الموانئ المنافسة في المنطقة (مثل جبل علي في الإمارات أو ميناء الشويخ في الكويت) إذ لديها عشرات الأرصفة وتستقبل ملايين الأطنان سنوياً.
إن المشروع الأصلي كان سيكلف عشرات المليارات من الدولارات لكن تقليصه قد يعني عدم تحقيق العوائد الاقتصادية المتوقعة، والاستثمار في خمسة أرصفة فقط لن يحقق النقلة النوعية المطلوبة .
ويتضح ان هناك تحديات فنية وبيروقراطية يعاني منها العراق منها البطء في تنفيذ المشاريع الكبرى بسبب الفساد والروتين الحكومي المعقد.
بالإضافة الى عدم وجود بنية تحتية داعمة (مثل شبكات السكك الحديدية الحديثة أو الطرق السريعة) وقد يفشل المشروع حتى لو اكتملت المراحل الأولى.
ونتساءل هل ما زال المشروع استراتيجياً، رغم التخفيض في عدد الأرصفة، لكن يبقى ميناء الفاو الكبير مهماً لأسباب عديدة منها:
الموقع الجغرافي الممتاز عند مدخل الخليج، مما يجعله بوابة مهمة للتجارة بين آسيا وأوروبا ويعمل على تخفيف الاختناقات في الموانئ العراقية الأخرى (مثل أم قصر)، التي تعاني من نقص القدرات.
ان نجاح المشروع يعتمد على جذب الاستثمارات الأجنبية إذا تم ضمان الشفافية والكفاءة في الإدارة. ولكن النجاح يتطلب تسريع بناء الأرصفة الإضافية لتحقيق الحجم الاستراتيجي المطلوب وربط الميناء بالمناطق الصناعية والحدود البرية مع تركيا والأردن وسوريا ومكافحة الفساد وضمان إدارة كفؤة للمشروع.
الخلاصة، ان ميناء الفاو الكبير لا يزال مشروعًا حيوياً للعراق، لكن تقليصه من 100 رصيف إلى خمسة فقط يُضعف آثاره الاقتصادية، وأن الحكومة العراقية أمام خيارين: إما الالتزام بالرؤية الأصلية وتوسيع الميناء ليكون منافساً إقليمياً أو قبول واقع محدود يجعل المشروع مجرد إضافة صغيرة لقطاع النقل البحري العراقي.
وأخيرا فإنّ الفرصة موجودة لكن التنفيذ هو الفيصل وإذا استمرت التأخيرات والتراجعات فقد يتحول المشروع من حلم استراتيجي إلى وعد وردي آخر في سجل العراق المليء بالمشاريع غير المكتملة.