جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف من يصنع الرأي العام في مجتمعنا؟!

من يصنع الرأي العام في مجتمعنا؟!

حجم الخط

 


سمير السعد ||

في وقت تتراجع فيه القيم، وتبهت فيه ملامح الوعي الجمعي، بات من يصنع الرأي العام في مجتمعنا ليسوا النخبة الثقافية، ولا المفكرون، ولا السياسيون المخلصون، بل حفنة من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ممن لا يمتلكون من مقومات التأثير سوى القدرة على لفت الأنظار، لا بالأفكار، بل بالإثارة، والتفاهة، والمحتوى السطحي.

لم يعد الرأي العام في مجتمعنا يُبنى على الحوارات الوطنية، ولا على الرؤى الفكرية العميقة، ولا على التحليل السياسي المسؤول، بل أصبح يُشكَّل ويُوجَّه من خلال منشور مدفوع، أو بثّ مباشر لأحد الفاشنستات أو البلوگرات، ممن يفتقرون غالبًا إلى أبسط درجات الوعي والتعليم والثقافة والالتزام الأخلاقي.

وما يُثير الأسى أن هؤلاء استطاعوا — من خلال خوارزميات المنصات الرقمية — أن يصلوا إلى جمهور واسع، ويسيطروا على الأجندة العامة، ويحوّلوا مواضيع تافهة إلى قضايا رأي عام، بينما تُهمّش القضايا الجوهرية التي تمسّ مصير الناس وهويتهم وأمنهم ومستقبلهم.

الخطورة لا تكمن فقط في وجود هذه الشخصيات، بل في قبول المجتمع لها، وتفاعله معها، وتكرّس حضورها في وعي الأجيال الجديدة. لقد أصبحت القدوة في نظر كثير من الشباب هي من يملك متابعين أكثر، لا من يملك فكرًا أعمق. وأصبحت الشهرة هي المعيار، لا القيمة، ولا الرسالة، ولا العمل الحقيقي.

إن هذا التحوّل الخطير هو نتيجة تراكمات طويلة من تعثر المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية في أداء دورها، وغياب المشروع الثقافي الوطني، وترك الساحة فارغة لتُملأ بما هبّ ودبّ من محتوى.

ومع كل هذا، لا بد من القول إن المشكلة ليست فقط في من يصنع التفاهة، بل أيضًا في من يستهلكها. فالمجتمع الذي يُعلي من شأن التافه، ويُهمّش العاقل، هو مجتمع يُعيد إنتاج أزماته يوميًا، ويتحوّل تدريجيًا إلى فراغ كبير يبتلع مستقبله بنفسه.

اليوم، نحن بحاجة إلى وقفة حقيقية، صادقة، من كل مَن يملك ضميرًا حيًّا، من مثقفين وأكاديميين وصحفيين ومربين، لإعادة الاعتبار للوعي، ولإحياء دور الكلمة الصادقة، والفكرة العميقة، والموقف المسؤول.

فإذا لم نتدارك هذا الانحدار، فإن مستقبل مجتمعنا سيكون بيد من لا يستحق، ويُدار من قبل من لا يُدرك، ويُرسم من قِبل من لا يملك رؤية ولا ضمير.

ويبقى السؤال الأخطر هل ما زال بإمكاننا استعادة الرأي العام من يد التفاهة؟ أم أننا تجاوزنا نقطة اللاعودة؟

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال