بقلم / عبير طعمة
في أحلك ساعات العراق، حين كانت مدنه تتهاوى تحت زحف الإرهاب، وحين امتدت يد الغدر الداعشي لتطعن قلب الوطن، انطلقت صيحة المرجعية العليا بفتوى الجهاد الكفائي، فهزّت الأرض تحت أقدام المعتدين، وأيقظت في صدور الرجال نار الغيرة ونخوة الشرف. من الجنوب الأصيل، ومن الغربية الصامدة، ومن الشمال الأبي، نهض رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ليولد الحشد الشعبي المقدس، سور الوطن المنيع ودرعه الذي لا يُكسر، وخط المقاومة الذي أربك حسابات الصهيونية والأعداء.
لم تكن دماء الحشد لوناً واحداً، بل كانت لوحة العراق بكل أطيافه ، ابن البصرة يقاتل في الموصل، وأهل الأنبار يفتحون قلوبهم لرفاقهم من الجنوب، والمسيحي والشبكي والكردي واليزيدي يسيرون معهم في خندق واحد. كان السلاح في أيديهم، لكن في قلوبهم كان وطن، وفي وجدانهم كان عهد ألا يتركوا شبراً من الأرض إلا محرراً.
واجه الحشد أعتى قوة إرهابية عرفها العصر الحديث، قوة درّبتها أجهزة مخابرات دولية، وسلحتها أموال النفط الحرام، ودعمتها أطراف أرادت للعراق أن ينكسر. قاتلوا في أزقة المدن، وفي الصحارى، وعلى الجبال، تحت لهيب الشمس وبرد الشتاء القارس. كسروا شوكة داعش، ورفعوا راية العراق خفاقة، وأعادوا الأمن إلى مدن كانت على وشك أن تُمحى من الوجود.
الحشد لم يكن مجرد قوة عسكرية فقط . بل كان مدرسة للوحدة الوطنية وخط الدفاع الأول عن العراق في وجه كل الأخطار. وحد دماءه ما مزقته السياسة، وكسر حواجز الطائفية والمناطقية، وأثبت للعالم أن العراق واحد من زاخو حتى الفاو. وكان امتداداً لخط المقاومة الذي وقف بوجه الصهيونية، وأرسل رسالة واضحة _ أن العراق لن يكون ساحة للأطماع، بل قلعة للمقاومين وحاضنة للأحرار.
واليوم، وبعد أن تحقق النصر بفضل دمائهم وتضحياتهم، لا يجوز أن نقابلهم بالشعارات فقط. الوفاء الحقيقي هو قانون منصف يحفظ حقوق الشهداء، ويكفل العلاج والرعاية للجرحى، ويوفر حياة كريمة لمن لا يزالون على الجبهات يذودون عن الوطن.
الحشد ليس ذكرى في أرشيف النصر، بل هو روح العراق النابضة، وخط المقاومة الحي الذي يقف في وجه كل تهديد. فلننصف أبطاله كما أنصفونا، ولنحفظ دماءهم كما حفظوا أرضنا وكرامتنا .