سالم رحيم عبد الحسن
موسم الحصاد عند الفلاح ليس مجرد وقت لجني الثمار، بل هو خلاصة جهدٍ متواصل وسهرٍ طويل، تخللته مراحل شاقة تتطلب الصبر، والعمل الجاد، والتفاني، واتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب. فلكي يصل الفلاح إلى لحظة الحصاد، لا بد أن يمر بمحطات عديدة، من حرث الأرض إلى اختيار البذور، ومن السقي إلى مكافحة الآفات، حتى تنضج الثمار. ومع ذلك، قد لا تأتي النتائج دومًا كما يشتهي، فكما يُقال: “حساب البيدر لا يُشبه حساب الحقل”، أي أن التوقعات لا تضمن الحصيلة دائمًا، إذ تظل النتائج رهينة بجودة المقدمات.
وبالقياس ذاته، تشبه الانتخابات موسم الحصاد السياسي. فهي ليست لحظة عابرة في عمر الدولة، بل هي امتحان حقيقي لما قدمه المرشحون طوال السنوات التي سبقت يوم الاقتراع. فالفائز الحقيقي في هذا الموسم، هو من زرع الثقة، وسقى الناس بالمواقف النبيلة، ورعاهم بالحضور الفعّال والخدمة الصادقة. وكم من مرشح ظن أن الطريق إلى الكرسي مفروش بالشعارات، فخاب أمله حين تكلمت صناديق الاقتراع!
وهنا، أستذكر قصة واقعية عشت تفاصيلها خلال سنوات الحرب الثمانية، حين انتقلت وحدتي العسكرية إلى منطقة بين كلار وكركوك، وعسكرنا بالقرب من إحدى القرى. تعرّفت هناك على أهلها الطيبين، ومن بينهم شيخ القرية الذي أثار انتباهي أن لقبه ينتمي إلى جنوب العراق، رغم أنه يعيش في شماله. وبطبيعة الحال، دفعني الفضول بعد توطيد علاقتي به، لسؤاله: هل هو حقًا من تلك العشيرة الجنوبية أم أن الأمر مجرد تشابه أسماء؟
فأجابني بحزم: “نعم، أنا من عشيرة عمّارية من الجنوب، وجئنا إلى هذه المنطقة بعد أن نشب خلاف عائلي بين والدي وأقاربه، اضطرنا للنزوح من الجنوب. حينها، كنا خمسة إخوة مع والدنا، فسألنا أبونا ذات يوم: هل تودون أن تكونوا شيوخًا على هؤلاء الناس؟ فاستغربنا السؤال، وقلنا: كيف؟ فقال: بخدمتهم”.
ومنذ ذلك اليوم، جعلوا شعارهم خدمة الآخرين. كانوا لا يتأخرون عن نجدة محتاج، أو مؤازرة مريض، أو إسعاف امرأة تضع مولودها، حتى باتوا جزءًا من نسيج القرية، بل أصبحوا من أعيانها وشيوخها. فالمكانة لا تُمنح، بل تُكتسب بالعطاء، والمحبّة لا تُشترى، بل تُزرع.
وأنا أقول اليوم، لكل من نسي الدرس من أعضاء الدورة السابقة: من زرع حصد. فلا يكفي أن تعود إلى الناس قبيل الانتخابات لتطلب أصواتهم، بل يجب أن تكون حاضرًا معهم في كل الظروف، قبل أن تأتي لحظة الحصاد.
.jpg)