فتحي الذاري ||
في زمن يتصارع فيه العالم على أوجه البقاء والهيمنة، تشرق شمس المقاومة كمنارة أمل تنير دروب الشعوب المستضعفة، وتكشف زيف الادعاءات الغربية التي تستهدف تدمير المصالح العربية والإسلامية، وفرض نهج الاستغلال والنهب عبر سياسة القوة والتهديد. وفي قلب هذا الصراع، تتبلور معركة التاريخ بين مشروع المقاومة بقيادة غزة، محور المقاومة، وصناع القرار الأعمى في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة التي تسعى للسيطرة على مقدرات الأمة من خلال سياسات موجهة تهدف إلى تفتيتها وتدمير مشروعها النهضوي.
على مر العقود، ظلت السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط تستهدف فرض هيمنتها على منابع النفط، وموارد المنطقة، وإخضاع الأنظمة المقاومة لإرادتها عبر أدوات القمع والتخويف. تسعى أمريكا من خلال استراتيجياتها إلى تقليل أهمية النفط العربي، وتحويله إلى أدنى مستوى من الاستراتيجية في المنظومة الدولية، في محاولة منها للسيطرة على سوق النفط العالمي، وتقليص نفوذ الدول العربية المنتجة، خاصة في ظل التوتر المتصاعد مع أوبك بلس، وما يترتب عليه من تدهور للأمن الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
أما أهدافها فتتعدى النفط؛ فهي تسعى إلى حماية مصالحها الاستراتيجية عبر إعاقة أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي، وتشكيل تحالفات مع أنظمة قمعية وظلامية، لضمان أدوارها الإقليمية على حساب الشعوب، مقدمةً مصالحها على أي اعتبار أخلاقي أو إنساني.
تُبرز غزة، محور المقاومة، نموذجًا حيًا يمتزج بالإصرار والشجاعة، مُعبرة عن إرادة الشعوب في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق مشروعها القرآني الذي يهدف إلى تحرير أرضها واستعادة كرامتها المصادرة. إنّها حركة مقاومة لا تقبل المساومة على حقها، وتتصدى لموجات الغدر والخيانة من قبل القوى التي تؤمن بسيادة الاحتلال وتمدده في المنطقة.
وفي سياق مقاومة غزة، تتجلى نهضة المشروع القرآني، الذي يتصدى لكل المحاولات الغربية الرامية إلى تغييب الهوية الإسلامية، وتذويب القضية الفلسطينية، ودعم الأنظمة العميلة، وتكريس الاستعمار عبر ضخ مخططات التوطين، والتهويد، وتصفية القضية المركزية للأمة.
إن المقاومة الفلسطينية، بقيادة غزة، ليست فقط كفاحًا من أجل تحرير الأراضي المحتلة، بل هي صرخة حقيقة في وجه الاستكبار العالمي، وتأكيد على أن الأمة الإسلامية والعربية لا تزال قادرة على الوقوف بوجه الطغيان، ورفض مشاريع التبعية.
وهذه المقاومة ليست مجرد عمل عسكري، بل هي تجسيد لمفهوم النهضة القرآنية، التي ترفع علم الحق، وتؤمن أن تحرير القدس والأقصى مرهون بنهوض الأمة، وتوحدها واستعادتها لكرامتها الحضارية، بعيدًا عن تبعيتها للغرب، وخياراتها المذلة، وتحرير قرارها من الوصاية الغربية والأميركية.
من جانب آخر، تسعى قوى الاستعمار إلى فرض سياستها عبر أدوات الإعلام والتضليل، مستخدمةً الخوف، والخداع، والتشويه، لتبرير غزوها المستمر للأراضي، وتبرير جرائمها بحق الشعوب المستضعفة. تستخدم وسائلها الفضائية والإعلامية لنشر الإرهاب الفكري، وتزييف الوعي، وعدم فهم الحقائق، في محاولة لتشويه مقاومة الشعوب، وإشغالها بالمعارك الداخلية، لتعطيل مشروع النهضة والاستقلال
إذا استمر مشروع الهيمنة الأمريكية، فإن المنطقة ستواجه خطر تفتيتها، ونهب خيراتها، وغياب أية فرصة حقيقية للنهضة والتنمية. نظام عالمي فاسد يخدم مصالح حفنة من القوى الكبرى، يمعن في إذلال الشعوب، ويعتمد استراتيجية التفرقة والتمزيق، وتغذية الفتنة عبر أدوات الإرهاب والتشويه.
وفي مقابل ذلك، يبقى أمل الشعوب في استمرار المقاومة، وتحقيق مشروعها القرآني، مستندة إلى إرادتها التي لا تنهزم أمام إرادة الشعوب التي تسعى للحرية والكرامة، وتؤمن بقضيتها العادلة، وبقوة وحدتها في مواجهة قوى الاستكبار والاحتلال. فالمقاومة ليست مجرد حرب عسكرية،
بل هي أيضًا نهج وقيم ترسخ في النفوس، وتؤمن بأن التحرر ممكن عندما تتحد الإرادات وتتجه نحو هدف واحد يتجاوز المصالح الشخصية والفئوية. إن الأمل يبقى قائماً في أن تتناغم الشعوب على مشروعها الحضاري الذي يُعلي من قيمة الإنسان ويعزز حقوقه،
من دون أن تكون أداة في يد القوى الكبرى لترسيخ هيمنتها. والرهان على وعي الشعوب وإرادتها، هو السبيل الأكيد لتحقيق استقلالها المستدام وطور نهضتها الحقيقية.
