ضياء ابو معارج الدراجي ||
أنا كشيعي عراقي بغدادي، ولدتُ أنا ووالدي وأعمامي وإخوتي في بغداد، ولم نقل يوماً إنّ بغداد “شيعية” أو “مَن تكون؟”.
بغداد ليست ملكاً لطائفة ولا عقيدة ولا قومية، بل مدينة تحتضن الجميع، شيعة وسنة وأكراداً ومسيحيين وغيرهم. لكن الحقيقة الديموغرافية التي يعرفها كل من عاش في هذه المدينة أنها ذات أغلبية شيعية منذ عقود طويلة، وهذه ليست إهانة لأحد، بل توصيف واقعي مبني على الأرقام والتاريخ.
حين أعلن التيار الصدري مقاطعة انتخابات 2025، وكانت مدينة الصدر وحدها تضم أكثر من 4 ملايين نسمة من أصل 7 ملايين في الرصافة، بينما لا تتجاوز الكرخ 3 ملايين، اندفع بعض الأطراف من الأقليات السياسية والطائفية إلى الاعتقاد أن اللحظة قد حانت للاستحواذ على هوية بغداد اعلاميا وإعادة رسم صورتها.
ظهر الخطاب الطائفي بشكل فجّ: شعارات مثل “بغداد لأهلها” و”نحن أمة” وعبارات الازدراء مثل “اللفو” و”الشروكية”، وكأنهم وجدوا فرصة لإعادة كتابة هوية العاصمة بالقوّة اللفظية، لا بالواقع السكاني.
لكن النتائج جاءت صدمةً لهم، وفضيحةً سياسية، ودليلاً ساحقاً على أن بغداد شيعية الهوية السكانية مهما حاول البعض تزوير الوعي العام. فقد حصدت القوائم الشيعية 45 مقعداً من أصل 69، وبنسبة تقارب 80%، رغم أن أكبر قوة شعبية شيعية – التيار الصدري – كانت مقاطِعة.
وهذا وحده يكفي لإسكات كل الأصوات التي حاولت الادعاء أن بغداد تغيّرت.
الأهم من ذلك أن الانتخابات ما زالت تعتمد على بيانات البطاقة التموينية لبغداد كما كانت قبل 2003، ولم تُحدَّث لتشمل مَن سكن العاصمة بعد 2003. أي أن الدولة تعمل على قاعدة بيانات قديمة، لا تعكس ملايين الهجرات الداخلية بعد سقوط النظام.
وهذا يعني أن من شارك في انتخابات بغداد هو عملياً نفس الجمهور المسجَّل قبل 2003 واولادهم بعد 2003، وليس الوافدين بعد ذلك.
وبالتالي، فإن كل ما رآه العراقيون من محاولة تضخيم الأعداد، خصوصاً من بعض الأطراف التي زادت حضورها في بغداد بعد 2003، أصبح مكشوفاً. هؤلاء الذين جاءوا عبر موجات السكن والمال والمشاريع المشبوهة والتمويل الخليجي، حاولوا أن يلمّعوا صورة ديموغرافية متخيَّلة لا علاقة لها ببغداد الحقيقية. لكن النتائج كشفت حجمهم أمام الصندوق، وأعادت بغداد إلى هويتها الأصلية دون ضجيج.
ولو شارك التيار الصدري – صاحب الكتلة السكانية الأكبر في مدينة الصدر – لكانت النتيجة أكثر وضوحاً، ولرأى الجميع أن بغداد 90% شيعية، وأن ما تبقى أقليات تعيش وتحترم وجودها كجزء من نسيج المدينة، وليس كقوة تحاول فرض سردية مضخّمة كانت تعمل لصالحها قبل 2003 اعتماداً على نظام قمعي رفعهم فوق حجمهم الطبيعي.
نحن لسنا طائفيين، ولم نكتب يوماً بلغة الفرز والإلغاء. لكن حين تحوّل الاستفزاز إلى محاولة كتابة هوية بغداد من جديد، يصبح الرد بلغة الأرقام واجباً. الأرقام لا تكذب… والانتخابات لم تفعل سوى أن كشفت الحقيقة التي يعرفها كل بغدادي: بغداد شيعية، منذ زمن، وستبقى كذلك مهما حاول البعض أن يجمّل وهماً لا أساس له.
.jpg)