جاري تحميل ... مدونة المرجل

الاخبار

إعلان في أعلي التدوينة

الصفحة الرئيسية غير مصنف قراءة أخلاقية في مؤتمر إلهيات المقاومة..!

قراءة أخلاقية في مؤتمر إلهيات المقاومة..!

حجم الخط

 

د. أمل الأسدي ||


بعيداً عن المادة العلمية الرصينة التي تُطرَح في هذه المؤتمرات، وبعيدا عن مستوى التنظيم العالي الذي يشهده كل مؤتمر، هناك درس أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ يتجاوز كل هذه الجوانب وهو: درس التواضع.

فالتنظيم المتقن والمادة العلمية القيمة مهمة؛ لكنها لا تُعلّمنا أبدا كيف يكون الإنسان متواضعاً، كريما مع الآخرين، مستمعا لهم، محترما لهم، كما نراه في أغلب المؤتمرات الإيرانية فتترك أثراً لا يُنسى.

لقد شهدتُ هذا التواضع بعيني، عندما رأيت رجلا جاء سريعا وجلس في مكانه، وسلّم على الجميع، وعُرّف بأنه عميد كلية اللاهوت والدراسات الإسلامية في جامعة مشهد. وعندما اضطر الشيخ حسن البغدادي إلى المغادرة بعد تقديم مشاركته لارتباطه بموعد سفر، ذهب الرجل معه وأوصله، وظننت ـ كما أرى في أغلب مؤتمراتناـ أنه سيغادر هو الآخر ويعود لاحقا في ختام الجلسات؛ لكنه عاد وجلس في مكانه، مواصلاً التحية لكل من يشارك ويعتلي المنصّة، وعندما ينزل المشارك يقف ويستقبله بالسلام، مستمعا لكل المداخلات، وموجّها تحية لكل الضيوف والوفود.

قال لنا : “أنتم على رأسي، أنتم ضيوف الإمام الرضا(عليه السلام)، أنتم أصحاب فضلٍ لمشاركتكم في هذا المؤتمر، أنا خادم لكم”، ليؤكد بتواضعه أن الأولوية والاهتمام ينبغي أن يكون لضيوف المؤتمر، وليثبت بذلك أن التواضع للعلم والضيوف يترك أثرا عميقا وفريدا.

هذا الرجل، بهذا التواضع الكبير، قدّم درسا أخلاقيا للجميع، مبيّنا أن الإنسان كلما ازداد تواضعا، ازدادت صورته كمالا في عيون الآخرين؛ لذلك يشعر المتلقي عند الاقتراب منه بهالةٍ نورانيةٍ، ورغبة في الوقوف بجانبه، والتحدث إليه، والاستزادة من علمه، كما ويشعر بطاقةٍ إيجابيةٍ منبعثة منه، وأعتقدُ أن مصدرها الحقيقي هو تواضعه الصافي.

وفي اليوم التالي، استمر على النهج نفسه: سلّم على الجميع، حضر الجلسات البحثية، التقط الصور مع جميع الوفود، راجع الاقتراحات، متابعا ومعتذرا عن أي تقصير، وحين تحدثت له عن كتاب ” الإبراهيمية” قال: “غدا في الكلية نحتفي به ونلتقط الصور كما ينبغي إن شاء الله” مجسِّدا في خلقه العالي درسا أخلاقيا وإنسانيا يمكن استخلاصه من المؤتمرات الإيرانية، إنه درسٌ يعلّمنا أن العلم بلا تواضع يتحوّل إلى سلطةٍ مستبدة، وأن المعرفة حين تتجرّد من بعدها الأخلاقي تفقد معناها وأثرها.

هذا الرجل هو الأستاذ الدكتور محمد تقي قبولي، عميد كلية اللاهوت والدراسات الإسلامية في جامعة مشهد، ولاتقتصر قضية التواضع علی رجلٍ واحدٍ وإنما تبدو أسلوبَ حياةٍ مؤسسيّا عمليا لدی أغلب الرؤساء والعمداء، فرئيس الجامعة الأستاذ الدكتور عبد الرضا جعفري، حين أهديته كتبي الأخيرة، وقف شاكرا مبتسما ثم بادر إلی التقاط صورةٍ توثيقية،

ورفع الكتب كي تظهر في الصورة، وكان آخر المغادرين من قاعة المؤتمر ولم تركض خلفه أو إلی جانبه جوقةٌ من الحرس والمصورين، فحين تُدار المعرفة بروح الخدمة لا بروح السلطة، تصبح فعلا حضاريا قادرا على صناعة الوعي وتغيير الواقع، أنا علی يقينٍ أن هذا التواضع هو سر نجاح الجمهورية الإسلامية وسر تقدمها، وبهذا الخُلق الرفيع هزموا عتاة الأرض ولقّنوهم درسا.


تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال